الرئيسية مؤشرات موجز تطورات شهر يناير 2024

موجز تطورات شهر يناير 2024

المحتويات


أولاً- التطورات السياسية:
1- تخوفات من الوضع الحقوقي باليمن
2- استمرار تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي
3- جهود لتوحيد الهيكل الأمني للمنظومة الشرعية
4- استمرار مباحثات المبعوث الأممي
5- كيان سياسي جديد للمحافظات الشرقية
6- عودة الحديث عن تغيير الحكومة
7- انتقادات متنامية من الشرعية للحوثيين
8- تنامي التخوفات من تدهور الأوضاع الإنسانية
9- استمرار التوظيف الحوثي للتصعيد في البحر الأحمر
ثانياً- التطورات الأمنية:
1- تصعيد أمريكي بريطاني نوعي ضد الحوثيين
2- استمرار العمليات الحوثية في البحر الأحمر
3- استمرار استهداف القوات الجنوبية
4- دعم عناصر من الحرس الثوري وحزب الله للحوثيين
ثالثاً- التطورات الاقتصادية:
1- سعي البنك المركزي لتحجيم شركات الصرافة
2- تنامي وطأة الأزمة الإنسانية باليمن
3- انعكاسات سلبية للتصعيد على قطاع الصيد
رابعاً- التطورات الخارجية:
1- سعي إيراني للترويج لـ "استقلالية" الحوثيين
2- احتمالية وجود علم مسبق للحوثيين بالهجمات الأمريكية
3- رفض بعض الدول للهجمات الأمريكية البريطانية
4- إعادة تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي
5- فرض عقوبات على 4 مسؤولين حوثيين
6- اتهامات أمريكية لإيران بدعم الحوثيين
7- طلب الولايات المتحدة دعم الصين لتحجيم الحوثيين


يحاول مركز اليمن والخليج للدراسات من خلال إصداره النوعي الشهري "تطورات المشهد اليمني"، تناول أبرز التطورات الخاصة بالملف اليمني على مدار الشهر، سواءً على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني أو على المستوى الاقتصادي وكذا التفاعلات الخارجية، كجزء من الدور البحثي للمركز والذي يستهدف بشكل رئيسي طرح مقاربات أكثر عمقاً للتعامل مع الملف اليمني، وبما يضمن من جانب توفير مادة علمية لكافة المعنيين من صناع قرار وباحثين وصحفيين بالملف اليمني، بحيث يُمكن الاستفادة بها في متابعة هذا الملف، أو عملية صنع وترشيد السياسات، ويساهم من جانب آخر في مواكبة التطورات في اليمن أولاً بأول، جنباً إلى جنب مع ما يُنتجه المركز من إصدارات بحثية أخرى.
 ويُركز التقرير الشهري لمركز اليمن والخليج للدراسات في تعاطيه مع تطورات المشهد اليمني على مدار الشهر على مقاربة "الرصد والتحليل المنهجي"، بمعنى الوقوف على أبرز التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية والخارجية التي شهدها الملف اليمني على مدار الشهر، والتعامل معها بشكل تحليلي سواءً في ثنايا التقرير أو من خلال المخرجات البحثية الأخرى للمركز من تحليلات وتقارير وتقديرات للموقف.


ملخص تنفيذي
كان اليمن في شهر يناير 2024 على موعد مع جملة من التطورات المتنوعة ومتعددة الأبعاد، التي عبرت بشكل واضح عن مسارات الأزمة اليمنية في الحقبة الراهنة. وعلى الرغم مما تحظى به التطورات الأمنية بأهمية كبيرة في ضوء التصعيد الحوثي في منطقة البحر الأحمر، كجزء من التعاطي مع تداعيات عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، إلا أن الساحة اليمنية قد شهدت جملة من التطورات الأخرى السياسية التي عبرت في مجملها عن تقدم محدود ومقيد على مستوى إقرار مسار السلام في البلاد، وكذا عبرت هذه التطورات السياسية عن جملة من الأزمات التي يعيشها اليمن، خصوصاً ما يتعلق باستمرار حالة الانقسام السياسي والمؤسسي مدعوماً ببعض التوجهات الانفصالية لبعض الأطراف. ولم يختلف الوضع كثيراً على المستوى الاقتصادي، إذ أن مؤشرات الأزمة الاقتصادية متعددة الأبعاد لا تزال مستمرة، خصوصاً في ضوء انقسام المؤسسات المالية بالبلاد، وتداعيات التصعيد الراهن على عدد من القطاعات النوعية اليمنية كقطاع الصيد، بالإضافة إلى التداعيات على الوضع الإنساني في اليمن.
 وبالنسبة للتفاعلات الخارجية التي شهدتها البلاد، كانت هي الأخرى معبرة إلى حد كبير عن كون التعاطي الدولي مع الملف اليمني بات مرتكزاً بشكل كبير على تحجيم التصعيد الحوثي في منطقة البحر الأحمر، بعيداً عن التركيز على مسألة الحل السياسي للأزمة اليمنية، أو التعامل بشكل فاعل مع الأزمات الإنسانية غير المسبوقية التي تعيشها البلاد.


أولاً- التطورات السياسية:
يمكن تناول أبرز الاتجاهات الرئيسية في المشهد السياسي اليمني في يناير 2024، وذلك على النحو التالي:

  1. تخوفات من الوضع الحقوقي باليمن: دخل اليمن العام الجديد وهو مُثقل بانتهاكات حقوقية كبيرة ومتعددة الأبعاد ارتُكبت في العام المنصرم. وفي هذا السياق، أعلنت "اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن" (منظمة حكومية) توثيق 2955 واقعة انتهاك حدثت في مختلف المحافظات خلال العام المنصرم 2023، فيما تجنبت تحديد الأطراف المتورطة على عكس تقارير سابقة، وقالت اللجنة الوطنية، في بيان صادر عنها، إنها تمكنت خلال العام 2023 من الرصد والتحقيق في 2955 واقعة انتهاك حدثت في مختلف المحافظات بأوقات سابقة، تضرر بسببها 5152 ضحية من الجنسين وبكافة الأعمار، وقد شملت هذه الانتهاكات عمليات استهداف المدنيين، والاعتقال، والقتل خارج إطار القانون، والتهجير القسري، والاعتداء على الأعيان التاريخية والدينية.
    وفي سياق متصل، أصدرت نقابة الصحافيين اليمنيين تقريرها السنوي الخاص بوضع الحريات الصحافية في البلاد خلال عام 2023، يوم 7 يناير، ووثقت عبره سلسلة من الانتهاكات المستمرة تجاه العاملين بمهنة الصحافة. وقالت النقابة، في تقريرها إنها رصدت 82 انتهاكاً بين مطلع 2023 وحتى 31 ديسمبر الماضي، طالت صحافيين ومصورين ووسائل إعلام ومقار إعلامية وممتلكات خاصة بصحافيين، كما سجل التقرير 17 حالة حجز للحرية بنسبة 20.7% من مجمل الانتهاكات، تلتها 14 حالة لمحاكمة أو استدعاء الصحافيين بنسبة 14.6%، إضافة إلى 10 حالات منع من ممارسة المهنة وإغلاق وسائل الإعلام. فيما تنوّعت الانتهاكات الأخرى بين منع صرف مستحقات الصحافيين، وفصلهم من العمل، ومصادرة الممتلكات، إضافةً إلى اختراق مواقع إلكترونية.
  2. استمرار تحركات المجلس الانتقالي: شهد شهر يناير اتخاذ المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة جديدة في إطار ما يسميه "استعادة دولة الجنوب"، حيث عُقد في 2 يناير الاجتماع التأسيسي لمجلس العموم الجنوبي، لأول مرة في العاصمة المؤقتة عدن. وخلال هذا الاجتماع ألقى عيدروسي الزبيدي كلمة شدد خلالها على جملة من النقاط الخاصة بالطموح الانفصالي للمجلس، لكن اللافت أنه أشار إلى سعي المجلس إلى "تعزيز السلام والأمن والاستقرار الإقليمي وفقاً لاتفاق أبراهام" في إشارة إلى اتفاقات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وارتبطت أهمية هذه التصريحات بكونها جاءت في أعقاب تقرير نشرته قناة "كان" الإسرائيلية في أواخر 2023، تحدثت فيه عن أن الانفصاليين في جنوب اليمن، الذين يقودهم الزبيدي، أبدوا استعدادهم لـ"التعاون مع إسرائيل في وجه تهديد الحوثيين".
    الجدير بالذكر أن مجلس العموم الذي انعقد في عدن هو مجلس شُكل مؤخراً بقرار من رئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي، وهو مشكّل من عدد من الهيئات والمجالس المكونة لكيان "المجلس الانتقالي"، ويضم كلاً من هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، والقيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي، والجمعية الوطنية العمومية للمجلس الانتقالي، ومجلس المستشارين للمجلس الانتقالي. كما أن مجلس العموم سيكون هو الجهة المختصة بمناقشة القرارات المصيرية للجنوب بما فيها الاختصاص السيادي، الأمر الذي يجعل المجلس أهم وأكبر هيئة سياسية على الإطلاق داخل "المجلس الانتقالي الجنوبي".
    وفي 25 يناير، استنكر المجلس الانتقالي الجنوبي ما وصفه بـ "استمرار بعض أعضاء الحكومة، باتخاذ الإجراءات الأحادية، في محاولة منها للدفع بالأوضاع نحو مزيد من التأزيم". وجددت الهيئة الإدارية للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال اجتماعها الدوري "رفض المجلس الانتقالي لأي إجراءات أحادية، ومحاولات التصعيد، والتزامه بالتهدئة التي تؤمن للأشقاء في المملكة العربية السعودية الدفع بالعملية السلمية للوصول إلى حل شامل برعاية أممية". وجاء موقف الانتقالي الجنوبي عقب تعيينات في السلك الدبلوماسي في الخارج، وأخرى في وزارة الداخلية آخرها قرار وزير الداخلية اللواء إبراهيم حيدان تعيين العميد ركن سليم صالح المحثوثي، نائباً لمدير أمن عدن، وقائداً لقوات الأمن الخاصة بالمحافظة، وهو شخصية غير محسوبة على الانتقالي.
  3. جهود لتوحيد الهيكل الأمني للمنظومة الشرعية: أصدر رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي في 4 يناير قراراً يقضي بدمج عدد من الأجهزة الأمنية والاستخبارية التابعة للقطاعات والكيانات المسلحة المتعددة كافة في البلاد تحت مسمى "الجهاز المركزي لأمن الدولة". وتضمنت القرارات التي جاءت عقب اجتماع في العاصمة السعودية الرياض لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي الذي يترأسه رشاد العليمي، دمج جهازي الأمن القومي والأمن السياسي في جهاز واحد أطلق عليه "الجهاز المركزي لأمن الدولة". كما تضمنت إنشاء جهاز مستقل لمكافحة الإرهاب، وتعيين قائد له، ووفق القرار "يدمج كل من الجهاز المركزي للأمن السياسي وجهاز الأمن القومي والكيانات الاستخبارية الأخرى التابعة للمجلس الانتقالي وحراس الجمهورية وقوات العمالقة في إطار جهاز استخباري واحد يسمى الجهاز المركزي لأمن الدولة، ويكون مقره في العاصمة الموقتة عدن، ويجوز إنشاء فروع له في محافظات الجمهورية. ويتبع الجهاز رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ويكون مسئولاً أمامه عن تنفيذ المهمات والمسئوليات كافة المنصوص عليها في هذا القرار، ويتلقى تعليماته من رئيس مجلس القيادة الرئاسي".
    ويبدو أن هذا القرار استهدف تحقيق جملة من الاعتبارات الرئيسية وفي القلب منها توحيد المؤسسات والهياكل الأمنية الداخلة في نطاق الشرعية اليمنية، على اعتبار أن هذه الانقسامات في الهياكل الأمنية تحول دون مواجهة التهديدات الداخلية بفاعلية. أيضاً يمكن قراءة القرار على أنه محاولة لإعادة الاعتبار للقرار السيادي لسلطات الدولة الرأسية عقب تسع سنوات من الاختلال والشتات وتعدد الولاءات العسكرية والحزبية وتداخل وتشتت مهماتها، وهو ما أضعف الصف المناوئ للمشروع الحوثي في البلاد وترتب عليه إطالة أمد الصراع.
  4. استمرار مباحثات المبعوث الأممي: عقد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، سلسلة من اللقاءات التي تأتي كاستكمال لجهوده الرامية لفرض خارطة طريق اليمن. وفي هذا السياق، استقبل رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي في 7 يناير في مقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض المبعوث الأممي، واستمع العليمي إلى إحاطة قدمها المبعوث الأممي بشأن مستجدات مساعيه المنسقة مع الأشقاء والأصدقاء من أجل استئناف عملية سياسية يمنية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي تأكيد دعم المجلس والحكومة لجهود الأمم المتحدة، والحرص على تقديم كافة التسهيلات لمبعوثها الخاص من أجل الوفاء بمهامه ومسئولياته المشمولة بقرارات الشرعية الدولية، وعلى وجه الخصوص القرار 2216، وتطرق اللقاء إلى تطورات الوضع المحلي، والضغوط الدولية المطلوبة لدفع الحوثيين نحو التعاطي الجاد مع مساعي السلام، وإنهاء معاناة الشعب اليمني، واستعادة مؤسساته الشرعية.
    وفي سياق متصل، التقى المبعوث الأممي إلى اليمن في 9 يناير برئيس الوفد التفاوضي لجماعة أنصار الله "الحوثيين" محمد عبد السلام، في مسقط، وقال بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي إنّ اللقاء عُقد لمناقشة خريطة الطريق الأممية التي ستعمل على تفعيل التزامات الأطراف بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وعلى إجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، بالإضافة إلى استئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، وأضاف البيان أن المبعوث الأممي التقى أيضاً مجموعة من كبار المسئولين العمانيين في مسقط، لمناقشة استمرار الدعم الإقليمي المنسق لجهود وساطة الأمم المتحدة.
  5. كيان سياسي جديد للمحافظات الشرقية: أُعلن في مدينة سيئون، عاصمة وادي وصحراء حضرموت، شرقيّ اليمن، يوم 10 يناير، تأسيس اللجنة التحضيرية المنبثقة من الهيئة التأسيسية للمجلس الموحَّد للمحافظات الشرقية في اليمن، ككيان سياسي قيل إنه جاء للإسهام في تحقيق تطلعات وأهداف ومطالب أبناء هذه المحافظات، التي تضم حسب اللجنة، حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى. وحسب القائمين على هذا المجلس، فإنه جاء ليمثل ويجمع تحت لوائه عدداً من المكونات، مثل هيئة تنسيق حضرموت، والمجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، والهيئة الشعبية في شبوة، ووثيقة مؤتمر حضرموت الجامع، ومجلس حضرموت الوطني، ومرجعية قبائل حضرموت، وحلف أبناء وقبائل شبوة، ولجنة الاعتصام في المهرة.
    وقرأت بعض الدوائر اليمنية تأسيس هذا المجلس على أنه جاء لمواجهة التحركات الانفصالية المتنامية للمجلس الانتقالي الجنوبي، خصوصاً مع تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي لعدد من الهياكل السياسية التي تخدم هذا الهدف، جنباً إلى جنب مع تبني تحركات عسكرية للسيطرة على سيئون "التي لا تزال خارج سيطرته" بما يضمن له إخلاء كل صحراء ووادي حضرموت من أي قوات شمالية، لكن محاولاته كانت تواجه بمعارضة من قيادة التحالف الذي تقوده السعودية.
  6. عودة الحديث عن تغيير الحكومة اليمنية: شهد شهر يناير عودة الحديث عن تغيير الحكومة اليمنية، وذلك مع تداول أنباء في 14 يناير عن وجود توجه لدى المجلس الرئاسي اليمني لتغيير رئيس الحكومة معين عبد الملك، واختيار رئيس جديد للحكومة، ورجحت بعض التقديرات أن هذا التوجه حال تأكده، فإنه سيكون أميل لاختيار رئيس وزراء من الجنوب، والأرجح أن يتم تعيين شخصية من أبناء محافظة حضرموت معني بالاقتصاد، على اعتبار أن الجانب المناطقي يعد عاملاً مهماً ورئيسياً في اختيار رئيس الوزراء، فضلاً عن أولوية مواجهة الأزمة الاقتصادية، ما يقتضي وجود رجل اقتصاد في هذا المنصب المهم.
  7. انتقادات متنامية من الشرعية للحوثيين: سادت حالة من الخطاب التصعيدي خلال شهر يناير من قبل مكونات الشرعية اليمنية، تجاه الحوثيين. ففي 12 يناير، حمَّلت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الحوثيين المسئولية الكاملة عن تحويل البلد إلى "ساحة مواجهة دعائية". وفي 29 يناير، حثّ رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، الاتحاد الأوروبي على تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أسوةً بالتصنيف الأمريكي. وفي 31 يناير، دعا العليمي المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير عقابية أكثر حزماً ضد الحوثيين بما في ذلك تنفيذ القرارات الدولية ودعم الحكومة الشرعية لاستعادة المؤسسات وتحرير الحديدة.
  8. تنامي التخوفات من تدهور الأوضاع الإنسانية: أعربت منظمات غير حكومية في 17 يناير عن قلقها البالغ " إزاء تأثير التصعيد العسكري في اليمن والبحر الأحمر بالعمل الإنساني، مشيرةً إلى أن بعض المنظمات الإنسانية علّقت عملياتها بسبب "مخاوف" أمنية بعد الضربات الغربية على الحوثيين، وأعربت 26 منظمة يمنية ودولية، بينها "سايف ذي تشيلدرن" و"المجلس النرويجي للاجئين" في بيان مشترك عن "قلقها البالغ إزاء الآثار الإنسانية للتصعيد العسكري الأخير في اليمن والبحر الأحمر"، وأكدت أن المنظمات الإنسانية "بدأت تشعر بالفعل بتأثير التهديد الأمني في البحر الأحمر، إذ يؤدي تعطيل التجارة إلى ارتفاع الأسعار والتسبب في تأخير شحنات السلع المنقذة للأرواح"، ويعتمد أكثر من 75% من اليمنيين على المساعدات للعيش، وسط أزمة اقتصادية حادة سبّبتها الحرب وانهيار العملة والقيود المفروضة على عمليات الاستيراد والتجارة مع الخارج.
    وفي سياق متصل، أعلن الحوثيون في 20 يناير الحوثيون عن إمهال الأمريكيين والبريطانيين العاملين في إطار البعثات الأممية في مناطق سيطرتهم باليمن، شهراً لمغادرة البلاد، وأبلغت سلطات صنعاء- العاصمة اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون- مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن و"من خلاله جميع المنظمات الإنسانية" بأن أمام موظفيها الأمريكيين والبريطانيين مهلة شهر لـ"الاستعداد لمغادرة البلاد"، الأمر الذي قد يكون له المزيد من التداعيات السلبية على الملف الإنساني في البلاد.
  9. استمرار التوظيف الحوثي للتصعيد في البحر الأحمر: يبدو أن مسلسل التوظيف الحوثي للعمليات العسكرية في البحر الأحمر، في إطار تداعيات عملية "طوفان الأقصى"، سوف يستمر لحين انتهاء هذه الحرب. وقد برزت العديد من المؤشرات على ذلك على مدار شهر يناير، ففي 5 يناير احتشد عشرات الآلاف من اليمنيين في ميدان السبعين وسط صنعاء، في مسيرة جماهيرية حاشدة تلبية لدعوة زعيم جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، وذلك لنصرة الشعب الفلسطيني وقطاع غزة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما احتشد عشرات الآلاف في ساحات المحافظات الأخرى التي يسيطر عليها الحوثيون، تحت شعار "دماء الأحرار.. على طريق الانتصار". وخرج الآلاف من أبناء مدينة صعدة، شمالي البلاد، في مسيرة حاشدة دعماً لتصعيد جماعة الحوثي ضد إسرائيل ونصرة للشعب الفلسطيني.
    وفي محاولة للتقليل من أهمية الضربات الأمريكية البريطانية التي استهدفت الحوثيين، أعلن الناطق الرسمي باسم الجماعة في 13 يناير أن "هذه الضربات لم يكن لها تأثير يذكر". وفي 18 يناير، ألقى زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، خطاباً أكد فيه على استمرار عمليات الجماعة في البحر الأحمر وأنها ستشمل السفن الأمريكية والبريطانية إضافة إلى تلك المتجهة لإسرائيل، وأن مواجهة العدوان الأمريكي البريطاني لا تخيفهم، وفي 25 يناير وفي خطاب مماثل أعلن الحوثي أن عمليات التنظيم "مستمرة حتى وصول المساعدات إلى قطاع غزة، ووقف إطلاق النار في القطاع".

ثانياً- التطورات الأمنية:
يمكن رصد أبرز الاتجاهات المعبرة عن التطورات الأمنية في اليمن، خلال شهر يناير، وذلك على النحو التالي:

  1. صعيد أمريكي بريطاني نوعي ضد الحوثيين: بدأت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع بريطانيا منذ يوم 12 في تبني نهج أكثر تصعيداً تجاه حركة "أنصار الله" الحوثية، للتعامل مع الهجمات المتكررة التي تنفذها في البحر الأحمر. إذ بدأت واشنطن على وجه الخصوص في تبني مقاربة تقوم على توجيه ضربات استباقية للحركة، وليس الاكتفاء برد الفعل، بمعنى صد هذه الهجمات سواء بواسطة الطائرات من دون طيار أو بواسطة الصواريخ الباليستية، وعلى مدار الشهر نفذت الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض الدول وخصوصاً بريطانيا نحو 10 ضربات ضد الحوثيين.
    وكان يوم 12 يناير هو التاريخ المعبر عن التغير النوعي الذي طرأ على المقاربة الأمريكية للتعامل مع حركة "أنصار الله" الحوثية، حيث نفذت واشنطن إلى جانب بريطانيا هجمات استباقية ضد مواقع الحركة في خمس محافظات يمنية هى صنعاء والحديدة وتعز وصعدة وحجة، بإجمالي نحو 28 موقعاً و73 هدفاً للحوثيين. وقد عكست العمليات الأمريكية البريطانية المشتركة تجاه الحوثيين جملة من الدلالات المهمة: أولها أن هذه العمليات ركزت على استهداف مراكز تصنيع مسيرات ومخازن أسلحة، بالإضافة لأنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي ومواقع التخزين والإطلاق للهجوم أحادي الاتجاه على الأنظمة الجوية بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية، ما يعني أن العمليات ركزت فعلياً على استهداف القدرات العسكرية للحوثيين، وثانيها أن العمليات ورغم كثافتها النوعية إلا أن حجم الخسائر الناتج عنها كان قليلاً نسبياً الأمر الذي عكس حرص الولايات المتحدة على إيصال رسائل بقدرتها على استهداف القدرات القتالية والعسكرية للحوثيين، وحرصها على تقليل الأضرار الخاصة بالحركة وعدم استنفار رد فعل يفاقم التصعيد في البحر الأحمر.
  2. استمرار العمليات الحوثية في البحر الأحمر: غلب النهج التصعيدي على تحركات الحوثيين الأمنية في شهر يناير، في منطقة البحر الأحمر، سواءً قبل الهجمات الأمريكية التي بدأت من 12 يناير، أو بعد هذا التاريخ، وهو ما تجسد في عدد من العمليات، ففي 2 يناير استهدف الحوثيون سفينة حاويات ترفع علم مالطا على بعد نحو 24 كيلومتراً جنوب غربيّ ميناء المخا في اليمن. وفي 6 يناير أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، أن سفينة أمريكية أسقطت "دفاعاً عن النفس" طائرة مسيرة أطلقت من اليمن في جنوب البحر الأحمر. وفي 10 يناير (أي قبل الهجمات الأمريكية) أطلق الحوثيون أكبر هجماتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ، والتي استهدفت سفناً في البحر الأحمر، ما أجبر البحرية الأميركية والبريطانية على إسقاط هذه المقذوفات في اشتباك بحري ضخم. وفي 15 يناير قالت القيادة المركزية الأمريكية إنها أحبطت هجوماً بصاروخ كروز انطلق من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن وكان يستهدف سفينة أمريكية في جنوب البحر الأحمر. وكذا شهد يوم 16 يناير إطلاق الحوثيين لصاروخ كروز على خطوط الملاحة التجارية الدولية جنوبي البحر الأحمر. وفي 18 يناير أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، عن استهداف سفينة أمريكية في خليج عدن بعدد من الصواريخ البحرية، لافتاً إلى أن الإصابة كانت "دقيقة". وفي 24 يناير أعلن سريع عن اشتباكات مع سفن تابعة للبحرية الأمريكية في خليج عدن وباب المندب لأكثر من ساعتين باستخدام الصواريخ الباليستية. وفي 26 يناير أفادت وكالة "أمبري" البريطانية للأمن البحري، بأن صاروخاً أصاب سفينة تجارية قبالة سواحل عدن في اليمن، وأوضحت "أمبري" أن الحادث وقع على بعد ميل بحري إلى جنوب شرق عدن في اليمن. وفي 28 يناير قال مسئولون بريطانيون إن السفينة الحربية البريطانية "دايموند" صدّت هجوماً عليها بطائرة مسيرة أطلقتها حركة الحوثيين في البحر الأحمر. وفي 31 يناير قالت القيادة المركزية الأمريكية إن الحوثيين أطلقوا صاروخاً مضاداً للسفن من اليمن باتجاه البحر الأحمر، مضيفةً أن مدمرة أمريكية في المنطقة أسقطته.
  3. استمرار استهداف القوات الجنوبية: استمرت وتيرة استهداف القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في شهر يناير، حتى وإن كان ذلك بوتيرة أقل من نظيره في العام المنصرم 2023. وفي هذا السياق قُتل ضابطان من "اللواء السادس دعم وإسناد" التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، وأصيب تسعة جنود بجروح خطيرة في 6 يناير، في انفجار عبوة ناسفة بين مفرق القوز ومنطقة القليتة شرق مديرية مودية بمحافظة أبين الجنوبية.
    وفي 19 يناير يناير قُتل 3 جنود وأُصيب اثنان آخرين، بانفجار عبوة ناسفة زرعها عناصر تنظيم "القاعدة"، بآلية عسكرية تابعة لقوات الانتقالي الجنوبي بمحافظة أبين جنوبي البلاد، وانفجرت العبوة خلال مرور آلية عسكرية تابعة للانتقالي الجنوبي في طريق ترابي بمنطقة السدارة شرق وادي عومران، في مديرية مودية بمحافظة أبين، وفي اليوم التالي قالت قوات دفاع شبوة التابعة للانتقالي الجنوبي إنّ مواطناً قُتل، وأصيب أربعة جنود من قوات "دفاع شبوة اللواء الأول".
    وقد عبرت هذه العمليات المتكررة عن جملة من الدلالات المهمة، أولها أن تنظيم "القاعدة" لا يزال يحظى بوجود نوعي وقوي في مناطق الجنوب اليمني. وثانيها أن التنظيم يعتمد في نمط عملياته على العمليات النوعية منخفضة التكلفة كبيرة الأهداف. وثالثها أن التنظيم بدأ في تصعيد وتيرة عملياته ضد القوات الجنوبية. ورابعها أن المناطق الجنوبية تشهد حالة من الهشاشة الأمنية التي تدفع باتجاه استغلالها من قبل تنظيمات العنف والإرهاب.
  4. دعم عناصر من الحرس الثوري وحزب الله للحوثيين: يبدو أن العمليات الحوثية في البحر الأحمر تتم بتنسيق وإشراف مباشر من قبل إيران وحزب الله، خصوصاً على مستوى الدعم الاستخباراتي والاستشاري. وفي هذا السياق، قالت أربعة مصادر إقليمية ومصدران إيرانيان لوكالة "رويترز" في 20 يناير، إن قادة من الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني موجودون في اليمن للمساعدة في توجيه هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر والإشراف عليها.
    وتعكس هذه الأنباء بعض الدلالات المهمة ومنها أن إيران وعبر الحرس الثوري فضلاً عن "حزب الله"، يقومان بمهام الدعم والإسناد اللوجستي والاستخباراتي للحوثيين في تنفيذ هجماتهم في البحر الأحمر. كذلك فإن العديد من المؤشرات تؤكد على ارتفاع وتيرة الدعم اللوجستي والعسكري الإيراني للحوثيين في ثنايا التصعيد الراهن، ففي 16 يناير أعلنت القيادة الوسطى الأمريكية "سنتكوم" أنها ضبطت أسلحة تقليدية إيرانية متقدمة، قالت إنها "كانت متجهة إلى الحوثيين"، مشيرة إلى أن التحقيقات كشفت عن أن الحوثيين استخدموا أسلحة كالتي تم ضبطها لتهديد الملاحة بالبحر الأحمر، وأن "إيران تواصل شحن مساعدات فتاكة للجماعة".

ثالثاً- التطورات الاقتصادية:
جنباً إلى جنب مع التطورات السياسية والأمنية المكثفة التي كان اليمن على موعد معها في شهر يناير، فقد شهدت البلاد جملة من التطورات الاقتصادية المهمة، التي تأثرت بلا شك بالتطورات سالفة الذكر وكان بعضها انعكاساً لها، ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:

  1. سعى البنك المركزي لتحجيم شركات الصرافة: عاود البنك المركزي اليمني تشديد إجراءات ملاحقة شركات الصرافة التي تحولت إلى "خزائن لأموال المدخرين"، مستغلة حالة التدهور المصرفي والانقسامات التي شهدتها البلاد منذ بدء الحرب قبل نحو تسع سنوات. وقد عبر عن هذا التوجه التحذير الذي أصدره البنك مطلع شهر يناير، والذي حذر فيه من "خطورة تجاوز الأنشطة المسموح بها عبر قبول ودائع للعملاء لدى شركات الصرافة"، مشدداً على "ضرورة التزام هذه الشركات بما نصت عليه التشريعات النافذة المنظمة لأعمال الصرافة، والتي حددت أنشطتها في بيع وشراء النقد الأجنبي والتحويلات المالية".
    ويبدو أن هذه الشركات باتت تمارس أدواراً غير تقليدية وخارج الإطار المسموح به قانوناً، بمعنى أن شركات ومنشآت الصرافة أصبحت تقوم مقام البنوك التجارية في قبول ودائع العملاء بدون سقف محدد، وهو الأمر الذي يفرض تداعيات سلبية إضافية على القطاع المصرفي العام، خصوصاً على مستوى الدفع باتجاه المزيد من التأزم للعملة المحلية. وتمثل هذه الأنشطة لشركات الصرافة تحدياً كبيراً أمام جهود السيطرة على الأسواق، ووضع حد للاختلالات التي تعاني منها مع توسع الانقسام المالي والنقدي والمؤسسي في البلاد ونتائجه الكارثية على تدهور العملة المحلية.
    وفي 31 يناير تبادل البنك المركزي وشركات الصرافة في اليمن الاتهامات بالتسبب في تراجع سعر العملة الوطنية (الريال) مع بلوغ قيمة الدولار أعلى مستوياته منذ تعيين القيادة الحالية للبنك، في نهاية عام 2021، وأكد مسئولون بالبنك في تصريحات أن ارتفاع سعر الدولار إلى ما يزيد على 1600 ريال عقب طرح إدارة البنك مزاداً لبيع 40 مليون دولار، يبيّن بجلاء انعدام الأسباب الواقعية لزيادة السعر عن القيمة التي كانت سائدة منذ أشهر عدة وهي 1540 ريالاً لكل دولار.
  2. تنامي وطأة الأزمة الإنسانية باليمن: يبدو أن وطأة الأزمة الإنسانية باليمن قد تنامت بشكل كبير، ولعل التقديرات الأممية بهذا الخصوص تؤكد هذا المعنى، فقد أفادت بيانات أممية في هذا الصدد بأن أكثر من 21.6 مليون شخص، أي 75% من سكان اليمن، يحتاجون إلى مساعدات، منهم 17 مليون شخص في فقر مدقع نتيجة انعدام الأمن الغذائي. ويبدو أن الانقسامات المؤسسية والجغرافية التي يشهدها اليمن، خصوصاً في الجهاز المالي والمصرفي، جنباً إلى جنب مع غياب أفق واضح للحل السياسي واستمرار الأزمة، بالإضافة للتداعيات الاقتصادية للتصعيد الحوثي في البحر الأحمر، كلها اعتبارات تدفع باتجاه تنامي وطأة الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وما يصاحبها من انعكاسات إنسانية.
    وفي 31 يناير أعلنت الأمم المتحدة  موافقة الحوثيين على قرارها استبعاد 3 ملايين شخص من قائمة المستفيدين من الحصص الغذائية الشهرية، لينضموا إلى مليون آخرين جرى استبعادهم في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً لأسباب مرتبطة بنقص التمويل الذي يواجه خطة الاستجابة الإنسانية. وذكر برنامج الأغذية العالمي أنه بعد تعليق عملياته في مناطق سيطرة الحوثيين في ديسمبر توصل إلى اتفاق مع الحركة التي تسيطر على العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، على اعتماد ما سماه "نهجاً أكثر استهدافاً" في توزيع المساعدات الإغاثية وخفض عدد المستفيدين من المساعدات إلى 6.5 مليون، بدلاً عن 9.5 مليون في السابق.
  3. انعكاسات سلبية للتصعيد على قطاع الصيد: يبدو أن التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، وما صاحبه من تطورات، قد امتدت تداعياته لتشمل بعض الأنشطة الاقتصادية النوعية، على غرار قطاع الصيد. وفي هذا السياق، أعربت جمعيات عاملة في مجال الصيد السمكي عن قلقها ومخاوفها الشديدة جراء ما يتعرض له هذا القطاع من تدهور خطير، وسط توسع الأعمال العسكرية وانتشار البوارج والقطع الحربية في مياه البحر الأحمر وتأثير ذلك على مناطق الاصطياد في محافظات اليمن الشمالية الغربية مثل الحديدة وحجة ومناطق المخاء وذباب وباب المندب، خصوصاً وأن هذا التصعيد يؤدي عملياً إلى وقف المشاريع السمكية في البحر الأحمر، وتعطيل نشاط الصيد. كذلك فإن تحويل عدد من مراكز الإنزال السمكي إلى مخازن ومواقع عسكرية قد دفع باتجاه تنامي وطأة الأزمات التي يعاني منها هذا القطاع.

رابعاً- التطورات الخارجية:
يمكن رصد أبرز الاتجاهات المعبرة عن التفاعلات الخارجية تجاه اليمن، خلال شهر يناير، وذلك على النحو التالي:

  1. سعى إيراني للترويج لـ"استقلالية" الحوثيين: تتبنى إيران منذ بداية التصعيد الراهن الذي تشهده المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، مقاربة تقوم على الدعم والإسناد لوكلائها في المنطقة، دونما الانخراط المباشر في التصعيد الجاري. وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الإيراني أمير آشتياني، يوم 3 يناير، إن حضور البحرية الإيرانية في البحر الأحمر "يوفر الأمن ولا قيود لنا في ذلك، خاصة في هذه المنطقة"، مشيراً إلى أن القوات الإيرانية "ترصد التطورات بشكل كامل". وأكد آشتياني في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية الأسبوعي دعم بلاده لحركة الحوثيين، قائلاً إن "اليمن مدعوم من الجمهورية الإسلامية ونحن ندعمهم على جميع الأبعاد، لكنهم مستقلون ويتخذون قراراتهم بأنفسهم" وفق تعبيره، وهي التصريحات التي تنافي الواقع العملي، الذي يؤكد على الدعم الإيراني المباشر عسكرياً واستخباراتياً للحوثيين، وأن الانخراط الحوثي في مسار التصعيد الراهن، يأتي في إطار المقاربة الإيرانية، ووفقاً للحسابات الإيرانية بهذا الخصوص.
  2. احتمالية وجود علم مسبق للحوثيين بالهجمات الأمريكية: برزت العديد من المؤشرات التي عبرت عن وجود علم مسبق للحوثيين بالهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا في 12 يناير. ففي 3 يناير أكد مسئولون أمريكيون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن الجيش الأمريكي قام بإعداد خيارات لضرب الحوثيين على خلفية الهجمات على السفن في البحر الأحمر. وفي 4 يناير قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن الهجمات التي تحصل في ممرات الشحن في البحر الأحمر يجب أن تتوقف وإلا فسيتم اتخاذ إجراء دولي. وفي 13 يناير أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحات أن بلاده سلمت رسالة بشكل خاص إلى إيران بشأن جماعة الحوثيين المتحالفة معها والتي تشن هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وهي التصريحات التي قرأتها بعض التقديرات على أنها مثلت إنذاراً مسبقاً بتنفيذ هذه الهجمات، سعياً لتقليل تكلفتها، ورد الفعل بخصوصها، بما يمنع تفاقم التصعيد في المنطقة.
  3. رفض بعض الدول للهجمات الأمريكية البريطانية: تبنت بعض الدول الفاعلة في المنطقة، موقفاً متحفظاً، إلى حد كبير، تجاه الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن والتي استهدفت الحوثيين. ففي 14 يناير وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إنه "يجب احترام سيادة اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر وعدم صب الزيت على النار"، وأكد وانغ يي أن بلاده "تولي اهتماماً لما يجري في البحر الأحمر"، داعياً إلى "وقف التحرش والتصعيد اللذين يحدثان في البحر الأحمر ما يهدد النظام الدولي"، رافضاً "استخدام القوة العسكرية ضد اليمن". وفي سياق متصل قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في 16 يناير إن "قطر تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن "استمرار الهجمات قضية أمنية، والحل العسكري لا يوفر الأمن لخطوط الملاحة الدولية"، وأكد الأنصاري أنه لا يمكن التعامل مع تصاعد التوتر في البحر الأحمر بشكل منفصل عن الحرب في غزة التي يجب وقفها فوراً.
  4. إعادة تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي: بعد أيام من التصعيد العسكري الأمريكي ضد الحوثيين، أعلنت الإدارة الأمريكية في 18 يناير عن إعادة تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي، بعد أن كانت قد حذفت الحركة من قائمة الإرهاب بسبب مخاوف من إضرار إدراجها بآفاق السلام والاقتصاد اليمني. ويوجد جملة من الملاحظات المهمة بهذا القرار، أولها أن الولايات المتحدة صنفت بموجب القرار الأخير الحوثيين كـ"تنظيم إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224"، ووفقاً للتشريعات الأمريكية فإن الأمر التنفيذي رقم 13224 يفرض "عقوبات صارمة على أشخاص أجانب تبين أنهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية تهدد أمن الأمريكيين، أو الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد الأمريكي، أو يشكلون خطراً كبيراً لارتكاب أعمال مماثلة"، ويعني هذا القرار أن إدارة بايدن صنفت الحوثيين كتنظيم إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص Specially Designated Global Terrorist group، وليس كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما صنفت التنظيم بموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية كمنظمة إرهابية أجنبية Foreign Terrorist Organizations. ويحمل هذا المعنى العديد من الدلالات المهمة: أولها أن هذا التصنيف من قبل إدارة بايدن يسمح للحكومة الأمريكية بتجميد أصول الأفراد والكيانات التي تقدم الدعم والمساعدة للحوثيين من داخل الولايات المتحدة أو من قبل الشخصيات والمنظمات الأمريكية. وثانيها أن التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية قد يؤثر على مسار السلام في اليمن، خصوصاً وأنه يدفع باتجاه عرقلة أو منع وصول المساعدات الإنسانية لليمن. وثالثها أن التصنيف الذي تبنته إدارة بايدن تجاه الحوثيين يسمح للحركة بالخروج خلال مدى زمني معين من لائحة الإرهاب، حال توقفها عن الأعمال التي أدت لدخولها في إطار هذا التصنيف.
  5. فرض عقوبات على 4 مسئولين حوثيين: في إطار نهج العقوبات ضد الحوثيين، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة، أنهما فرضتا عقوبات على أربعة من كبار المسئولين الحوثيين لدورهم في دعم أو توجيه الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر، وفرض البلدان عقوبات على وزير الدفاع في حكومة الحوثيين محمد ناصر العاطفي، وقائد القوات البحرية للحركة محمد فضل عبد النبي، وقائد قوات الدفاع الساحلي محمد علي القادري، ومحمد أحمد الطالبي الذي وصفته الحكومتان بأنه مدير المشتريات في قوات الحوثيين.
  6. اتهامات أمريكية لإيران بدعم الحوثيين: استمرت الولايات المتحدة في توجيه الاتهامات لإيران بدعم ورعاية الهجمات الحوثية في منطقة البحر الأحمر. وفي هذا السياق، قال قائد البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، إن إيران "متورطة بشكل مباشر للغاية" في هجمات السفن التي تنفذها جماعة الحوثيين في اليمن. وفي 24 يناير يناير ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها أن إيران ترسل أسلحة متطورة بشكل متزايد إلى حلفائها الحوثيين في اليمن، وهو ما يعزز قدرتهم على مهاجمة السفن التجارية، على الرغم من الغارات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة على الحوثيين، وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن إيران زودت الحوثيين بمعدات متطورة، من ضمنها أجهزة تشويش للطائرات بدون طيار وأجزاء من صواريخ وقذائف بعيدة المدى، فضلاً عن إرسال إيران وحزب الله مستشارين لمساعدة الحوثيين في التخطيط لهجماتهم وشنها.
  7. طلب الولايات المتحدة دعم الصين لتحجيم الحوثيين: نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 24 يناير، عن مسئولين أمريكيين قولهم إن الولايات المتحدة طلبت من الصين حث إيران على كبح جماح الحوثيين، لكنها لم تتلق أي مؤشر يذكر على المساعدة من بكين. وأوضحت أن الولايات المتحدة أثارت الأمر مراراً مع كبار المسئولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وذكرت أن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ونائبه جون فاينر ناقشا الأمر خلال اجتماعات مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشو، في واشنطن أخيراً، وأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أثار القضية أيضاً مع ليو جيان تشو.
    لكن "رويترز" أكدت في تقرير لها في 26 يناير نقلاً عن 4 مصادر إيرانية ومصدر دبلوماسي أن مسئولين صينيين طلبوا من نظرائهم الإيرانيين المساعدة في كبح هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وإلا فإن ضرراً قد يلحق بالعلاقات التجارية مع بكين، وذكرت المصادر أن المناقشات بشأن الهجمات والتجارة بين الصين وإيران جرت خلال عدة اجتماعات عُقدت أخيراً في بكين وطهران، وقال مسئول إيراني مطلع على المداولات تحدث إلى "رويترز" شريطة عدم الكشف عن هويته: "بشكل أساسي، تقول الصين (إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذلك اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس)".

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات