الرئيسية تقديرات رؤية كاشفة: عرض العراق الوساطة في الأزمة اليمنية
تقديرات إتجاهات إقليمية ودولية

رؤية كاشفة: عرض العراق الوساطة في الأزمة اليمنية

أعلن العراق استعداده للانخراط كوسيط في الأزمة اليمنية، حيث طرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مؤتمر صحفي مع نطيره اليمني أحمد عوض بن مبارك في بغداد 23 يوليو الجاري إمكانية استضافة لقاءات تشاورية بين مختلف الأطراف اليمنية بهدف تحويل الهدنة غير المعنلة إلى حالة سياسية، نظراً لعلاقة بغداد الجيدة مع كافة الأطراف المحلية والاقليمية. ويأتي هذا التطور في سياق الإتفاق العراقي اليمني على تنمية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على المستوي الرسمي، وتوقيعهما اتفاقية للتشاور السياسي. 

وعلى الرغم من ترحيب وزير الخارجية اليمني بالعرض العراقي للوساطة، وتقديم التسهيلات الممكنة لزيارة وفد عراقي قنصلي إلى اليمن لمتابعة وضع الجالية العراقية، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على عدد من التحديات التي تفرض نفسها على مسار تسوية الأزمة اليمنية، تتعلق بمواقف وسلوكيات الحركة الحوثية المتعنته تجاه الحل السياسي، بالاضافة إلى الحرب الاقتصادية وعرقلة وصول المساعدات الانسانية. 

بغداد كوسيط جديد: 

لعبت سلطنة عمان دور الوسيط ما بين السعودية والحركة الحوثية في سياق الحل الإقليمي، وكان من المتوقع أن يشكل هذا الدور اختراقاً في الأزمة في ظل الانفراجة الإقليمية والتقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية مهد لها اللقاءات التي جمعت وفود من طهران والرياض واستضافتها بغداد، إلا أن الوساطة العمانية لم تحقق الاختراق المطلوب بين الرياض والحوثين في ظل تباين وجهات النظر ما بين الطرفين، فالرياض تعتبر أن استحقاقات المرحلة الحالية تتطلب بلورة خريطة طريق للحل السياسي، في المقابل تفرض الحركة الحوثية شروطها الخاصة بتحصيل المزيد من المكاسب كاستحقاق لفرض الهدنة بغض النظر عن العملية السياسية. 

ولا يعتقد أن الدور العراقي يتقاطع مع الدور العماني، بل على العكس من ذلك من المتصور أنه يسير في نفس المسار، وربما ينطلق من نفس المحددات، لكن على مستوي مختلف فيما يتعلق بأطراف الأزمة، حيث تنطلق الوساطة العراقية في اطار  العلاقة ما بين الحكومة الشرعية والحركة الحوثية، على المستوي المحلي، ثم طهران والرياض على المستوي الاقليمي، وتشكل نقطة التعاطي مع الحكومة الشرعية القيمة المضافة في هذا السياق، وبذلك تتفادي تجاهل أي طرف من جهة، كما تتفادي اشكالية دور الوساطة السعودي الذي ترفضه الحركة الحوثية، حيث أبدت الرياض رغبتها في القيام بدور الوساطة بين الشرعية والحوثين، بينما تعتبر الحركة الحوثية السعودية طرف وليس وسيط.  

ومن الأهمية بمكان الاشارة إلى أن بغداد راكمت خلال الفترة السابقة خبرات مهمه فيما يتعلق بدورها في التقريب ما بين ايران والأطراف العربية، كما شكلت مؤتمرات بغداد الاقليمية التي عقدت على مدار العامين الأخيرين آلية لحوار اقليمي عربي، لكن من المتصور أن دور الوساطة في الأزمة اليمنية المعقده يحتاج إلى منظور مختلف، صحيح أن الأزمة لها أبعاد اقليمية، إلا أن حجم تعقيداتها الداخلية ما بين الحكومة المعترف بها والحركة الحوثية المتمردة ربما يفوق قدرة أي طرف اقليمي على طرح تصور لحل سياسي شامل للأزمة. 

طبيعة الرؤية العراقية: 

عكس خطاب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين طبيعة تصوره للانخراط كوسيط في الأزمة اليمنية، وهو ما يمكن الاشارة إليه في سياق النقاط التالية:  

1- مرحلة تمهيدية: حيث يهدف العراق أولاً إلى جمع أطراف الأزمة المحليين ( الحكومة الشرعية والحوثيين) على طاولة الحوار التشاوري لاستكشاف رؤية كل منهم لحلحلة الأزمة الراهنة من خلال امكانية تطوير الوضع الراهن إلى (حالة حوار) وليس عملية سياسية بقدر ما يمكن اعتبارها مرحلة تمهيدية يمكن البناء عليها في المستقبل كعملية سياسية. 

2- المدخل الاقتصادي والإنساني: حدد وزير الخارجية العراقي الملف الاقتصادي باعتباره المدخل الممكن لجدول أعمال المشاورات التي يمكن جمع الطرفين على مائدة حوار لحلها، وهو تصور يعالج موقف الحركة الحوثية تجاه استحقاقات الهدنة من جهة كما يعالج استحقاق البعد الإنساني الذي يعاني منه اليمن بل ويتصدر قائمة الازمات الانسانية في العالم. 

3- مركزية دور الشرعية: يعيد الدور العراقي مركزية الشرعية في الحل السياسي، فقد لوحت العديد من المصادر السياسية في الحكومة الشرعية إلى أن المفاوضات ما بين الرياض والحوثين برعاية عمان كانت تتجاوز دور الشرعية، في حين أن طرح العراق استعداده لدور الوساطة ينطلق من الشرعية، وللتأكيد على ذلك أشار العراق إلى العمل على استنئناف التمثيل الدبولماسي بين البلدين. ومع ذلك من المتصور أن العراق لديه القدرة على التواصل مع الحركة الحوثية بشكل جيد، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك علاقات فرعية قد تشوش على هذا المسار، فخلال الفترة السابقة تنامت العلاقة ما بين الحركة الحوثية والفصائل الولائية لايران في العراق أكثر  من العلاقة على المستوي الرسمي. 

4- الحل الإقليمي: أشار “حسين” إلى أن العراق لديه علاقات جيدة مع كافة الأطراف، وأن المشاورات التي تعمل بغداد على استضافتها بين الشرعية والحوثين ستأخذ في اعتبارها مواقف القوي الاقليمية الرئيسية المنخرطة في الأزمة وهي الرياض وطهران، وبالفعل تتمتع العراق بعلاقات جيدة مع الطرفين، وإن كانت معظم التقديرات الاقليمية تشير إلى أن العراق رغم قدرته على لعب دور الوسيط المحايد إلا أن نفوذ طهران في بغداد لا يزال قابل لأن يفرض نوع من الوصاية على التحركات العراقية، مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن بغداد أثنت على جهود السعودية في الأزمة اليمنية، وبالتالي فإن نقطة الانطلاقة في المشاورات تتطلب ضوء اخضر سعودي ايراني في المقام الأول. 

في ضوء محددات الرؤية العراقية يمكن الاشارة إلى عدد من التحديات التي تواجه العرض العراقي للانخراط في مسار حلحلة الأزمة في اليمن ومن  أبرزها على سبيل المثال لا الحصر: 

صفقة تسوية انتقالية: تتعاطي مع الملفات العاجلة ذات البعد الاقتصادي والانساني وليس الحل السياسي الشامل، وفي حين لا يمكن تجاهل أهمية هذه الملفات التي تسترعي انتباه القوي الدولية والتي تري أولوية استقرار الوضع الأمني من أجل القدرة على الاستجابة للعمل الانساني والاغاثي، لكن في الوقت ذاته لا توجد ضمانه لتحويلها إلى عملية سياسية في المستقبل، بل على العكس من ذلك يمكن أن تعزز من المشروع الحوثي باعتبارها مكاسب يمكن البناء عليها، وهو ما يفسر موقف وزير الخارجية اليمني، الذي أكد على استحقاقات أي عملية تفاوضية وهي المرجيعات الثلاثة ( المبادرة الخليجية والقرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني). 

انعدام التوازن في المعادلة الاقليمية: على نحو ما سلفت الاشارة فإن الخبرات السابقة تشير إلى أن طهران تمتلك نفوذاً على دور الحكومة العراقية في القيام بلعب دور تجاه أحد وكلائها الاقلميين، وعلى العكس من ذلك فإن قبول الرياض بلعب العراق دور الوساطة يعد تنازلاً من جانب الرياض التي كانت تهدف إلى لعب دور الوسيط، ومن ثم يبدو أن هناك عدم توازن في هذا المعادلة. 

ختاماً، من المتصور أن دخول العراق على خط الوساطة في الأزمة اليمنية يشكل قيمة مضافة في الخروج من دائرة الجمود في عملية التفاوض المتعثرة ووصول العلاقة من بين الرياض والحوثين إلى طريق مسدود، ومع ذلك يبدو أن كلا من الرياض وطهران قد تراهنان على مسار بغداد لاستعادة هذا المسار من زواية مختلفة تتعاطي مع الاشكاليات المرحلية كنقلة مرحلية طالما أنه لم تتهيأ بعد فرصة للحل الشامل للأزمة اليمنية.

عطفاً على ما سبق لا يزال العراق في مرحلة العرض، بينما لم تبدي الأطراف المعنية قبولاً صريحاً أو علنياً للطرح العراقي، على الرغم من أن التقارير العراقية أشارت إلى أن ما رشح من زيارة وزير الخارجية اليمني إلى بغداد لا يعدو سوى المستهدف من الإعلان عن المبادرة العراقية، في حين أن اللقاءات الخاصة ما بين “بن مبارك” ورئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف رشيد، بالاضافة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوادني، ووزير الخارجية فؤاد حسين ربما انطوت على تفاصيل أكثر مما جري طرحه، وهي التفاصيل التي قد تحتمل تواصل العراق مع مختلف الأطراف الأخري حول مبادراتها التي طرحتها، والتي تتوقع استجابة الأطراف لها. 

لكن من الناحية التكيتكية تسعي بغداد والشرعية اليمنية أولاً إلى تعزيز و ترقية العلاقات الثنائية، وقد يكون ذلك حافز للحكومة الشرعية، كما أن تفعيل اللجنة المشتركة ما بين البلدين على المستوي الرسمي يشكل رافعة مهمة في هذا الصدد، ويمكن استثمارها أيضاً في دفع المسار المقترح من بغداد بشأن لعب دور الوساطة، وبالتالي يمكن القول أن بغداد بإمكانها احداث اختراق في إسالة الجمود في مسار تسوية الأزمة ولو عبر المداخل الاقتصادية والانسانية التي قد تساهم في انفراجة جزئية للأزمة.  

للتعامل مع التحديات، قد يكون من الصعوبة بمكان استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه في اليمن، ورغم هذا التحدي الخاص بإخراج العراق صفقة أو حل جزئي إلا أن ذلك قد يشكل الحد الأدني للخروج من الدائرة المغلقة للوضع الاقتصادي الذي يعاني منه اليمن، وقد تكون نقطة البداية في التوصل لوقف اطلاق النار الشامل في البلاد، واستئناف حركة تصدير  النفط والغاز، وترك المجال للحكومة الشرعية في ادارة هذا الملف بدون تدخلات من الحركة الحوثية على أن تمارس الشرعية دورها في تحويل الرواتب إلى الموظفين عبر قنواتها الشرعية وليس عبر القنوات الموازية التي تهمين عليها الحركة.  

ولحل اشكالية خلل المعادلة الاقليمية تجاه تصورات الحل، سيتعين في حال منح طهران ضوء أخضر لبغداد في التحرك لضمان قبول ايران بالنتائج التي يمكن أن تتوصل إليها بغداد في الحوار  من الأهمية أن تمنح طهران مساحة الحركة المناسبة لبغداد للقيام بدور الوسيط الفعلي وليس مجرد المضيف للقاءات التشاورية من بين الأطراف، والتدخل من بوابات خلفية لتوجيه الحوار في اتجاه ما يحقق مصالحها على حساب مصالح الأطراف اليمنية. 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات