الرئيسية مقالات إرهاب متعمد: لماذا يُستهدف العاملين في مجال الإغاثة في اليمن؟
مقالات إتجاهات أمنية

إرهاب متعمد: لماذا يُستهدف العاملين في مجال الإغاثة في اليمن؟

تشكل عملية اغتيال مؤيد حميدي مدير برنامج الغذاء العالمي في تعز ضربة جديدة لجهود الأمم المتحدة في عمليات الاغاثة الانسانية في اليمن بشكل عام، ويهدف حادث الإغتيال إلى تصوير اليمن كبيئة غير آمنة لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية إلى تعرض موظفي تلك المنظمات إلى اعتداءات متكررة في اليمن، ووعدت الحكومة الشرعية بتوقيف الجناة وتقديمهم للعدالة، ويخشى من تأثير تداعيات الحادث على استمرار جهود الأمم المتحدة والمنظمات الاغاثية في اليمن الذي يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الانسانية في العالم، خاصة وأن العديد من المنظمات قد اتجهت مؤخراً لفتح فروع لها في تعز في ظل تبنيها اللامركزية الإغاثية، في محاولة لتخفيف القيود المفروضة من قبل الحوثيين على العمل الإنساني والإغاثي، مستغلين تواجد بعثات المنظمات الدولية الدائم في العاصمة صنعاء. 

أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، عن تعرض مدير برنامج الغذاء العالمي في تعز مؤيد حميدي لعملية اغتيال ( الجمعة 21 يوليو 2023) إثر اطلاق النار عليه أثناء خروجه من أحد مطاعم مدينة التربة جنوب محافظة تعز على يد مسلح مجهول يستقل دراجة نارية، ما أدى الى وفاته بعد وقت قصير من نقله الى مستشفى محلي. وفي اليوم التالي أعلنت السلطات الأمنية عن توقيف المسؤول عن العملية وهو عنصر محلي يعتقد في انتمائه لتنظيم القاعدة، حيث ينحدر من منطقة لحج (جنوبي اليمن) وهرب من عدن نتجية الملاحقات الأمنية للتنظيم. 

وحسب البرنامج الأممي فإن مؤيد حميدي أردني الجنسية، يبلغ من العمر ٥٠ عاماً، وقد إلتحق ببرنامج الأغذية العالمي منذ ١٨ عاماً، عمل خلالها في مهمة سابقة في اليمن، كما عمل في كل من السودان والعراق وسوريا، ووصل حميدي إلى اليمن مؤخراً لتولي منصبه الجديد رئيساً لمكتب برنامج الأغذية العالمي في محافظة تعز.

حوادث متكررة:

تأتي عملية إغتيال حميدي في تعز فيما لا يزال خمسة من موظفي مكتب الأمم المتحدة للأمن والسلامة مختطفين لدى عناصر من “تنظيم القاعدة” منذ فبراير/شباط ٢٠٢٢، حيث تم اختطافهم في محافظة أبين جنوبي البلاد، كما لا يزال اثنان من موظفي الأمم المتحدة معتقلين من قبل الحوثيين في صنعاء. ويعد مقتل حميدي هو الحادث الثاني الذي يتعرض فيه موظف أممي للاغتيال في محافظة تعز، حيث اغتيل حنا لحود مسؤول الاحتجاز باللجنة الدولية للصليب الأحمر، (لبناني الجنسية)، في ٢١ نيسان/ابريل ٢٠١٨، الأمر الذي أدى الى إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن سحب ٧١ من موظفيها العاملين في اليمن، وتعليق كافة أنشطتها الإنسانية، بما فيها الخدمات المنقذة للحياة، ومبادرات المياه النظيفة، والمساعدة الغذائية، ونشاطات زيارات المعتقلين.. ثم تراجعت عن قرارها في وقت لاحق من نفس العام. 

اجهاض مساعي تخفيف حصار تعز:

 تشكل عملية اغتيال حميدي ضربة موجعة لجهود الحكومة الشرعية ومجموعة من منظمات ونشطاء المجتمع المدني في تخفيف الحصار عن مدينة تعز ، فقبيل الحادث كانت الحكومة والنشطاء قد أطلقوا حملة إعلامية واسعة بهدف استعراض الأضرار التي لحقت بسكان المحافظة جراء الحصار الجائر الذي يتعرضون له منذ تسع سنوات من قبل الحوثيين، وكذلك التنديد بالموقف الدولي “المتراخي” تجاه استخدام الحوثيين الجوع كسلاح ضد سكان المحافظة. كما أنه جاء بعد إقرار المنظمات الأممية فتح مكتب رسمي لها في مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وذلك لتنظيم وتسهيل تدخلاتها الطارئة.

ردود أفعال:

توالت ردود الأفعال الدولية والاقليمية والمحلية الغاضبة جراء وقوع عملية الاغتيال والتي يمكن تناول أبزرها على النحو التالي: 

تحركات عاجلة من السلطات لملاحقة الجناة:

وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي خلال اتصاله بمحافظ تعز نبيل شمسان بملاحقة “العناصر الاجرامية” المتورطة بتنفيذ الاعتداء المسلح الذي أسفر عن مقتل حميدي. كما أكد(العليمي) خلال اتصاله بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش على التزام المجلس الرئاسي والحكومة بتأمين الأعمال الإنسانية وملاحقة الجناة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضبطهم وتقديمهم للعدالة. 

وفي السياق ذاته، أدان البرلمان اليمني عملية الإغتيال ووصفها “بأنها طعنة غائرة في القلب، وأجرى الشيخ سلطان البركاني رئيس البرلمان اتصالاً هاتفياً بنظيره الأردني، مؤكداً بأن الأجهزة الأمنية تعمل بوتيرة عالية للقبض على الجناة، وتقديمهم للعدالة. كما أصدرت وزارة الخارجية بياناً أكدت فيه على إدانة الحكومة لعملية الإغتيال وجددت التزامها بإنفاذ العدالة بحق الجناة. 

وكانت اللجنة الأمنية في تعز قد أعلنت عقد اجتماع طارئ برئاسة المحافظ شمسان للوقوف على الحادثة. وفي وقت لاحق، أعلنت الأجهزة الأمنية بمحافظة تعز توصلها لتحديد هوية المتهمين بالجريمة، وقالت إنها شرعت بملاحقتهم. وفي تطور أمني لافت، أعلنت الأجهزة الأمنية بمحافظة تعز في اليوم التالي للحادث عن تمكنها من إلقاء القبض على “الخلية الإجرامية” التي نفذت إغتيال “حميدي” وأنها باشرت التحقيقات الأولية لمعرفة دوافع الجريمة.

إدانة دولية واسعة: أدانت الأمم المتحدة العملية، حيث أدانت سيندي ماكين مديرة برنامج الأغذية العالمي بشدة مقتل أحد موظفين البرنامج برصاص مسلحين مجهولين، ودعت الى ضرورة محاسبة المسؤولين عن مقتله، كما شددت على ضرورة ألا يكون عمال الإغاثة هدفاً أبداً. كما قال ريتشارد دراجان ممثل البرنامج والمدير القطري في اليمن: “إن فقدان زميلنا يمثل مأساة عميقة لمنظمتنا وللمجتمع الإنساني بأسره”. وفي بيان مقتضب نشر على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي “تويتر”: أدان الاتحاد الأوروبي ما حدث، وطالب بإحالة الجناة إلى القضاء بكل جدية.

دوافع كاشفة: تخادم ما بين الحوثيين والقاعدة:

مرة أخرى اتجهت أصابع الإتهام إلى مسؤولية تنظيم “القاعدة” في اليمن عن عملية الإغتيال، بناء على سوابق التنظيم في هذا السياق، وذلك بالنظر لعدائه بشكل عام للدور الدولي في اليمن حتى وإن تعلق الأمر بالجوانب الإنسانية، لكن في الوقت ذاته لم يستبعد مراقبون محليون ضلوع المليشيا الحوثية هي الأخري في الحادث، أو أنه ربما جرى في ظل تخادم ما بين الطرفين، فالمنظمات الأممية الانسانية فتحت مكتب للتنسيق وإدارة عملياتها في تعز فراراً من القيود والعراقيل التي فرضتها المليشيا الحوثية على عملها لا سيما الموجه للمحافظات الواقعة ضمن سيطرة الحكومة بل واعتقال بعض العاملين فيها، ومن ثم فقد يكون من مصلحة المليشيا توجيه ضربة انتقامية لتلك المنظمات من جهة أو اظهار “تعز” باعتبارها بيئة غير آمنة لعمل تلك المنظمات. 

تداعيات محتملة:

من المتوقع أن يؤدي مقتل “حميدي”  الى تعقيد وصول المساعدات الاغاثية والإنسانية في اليمن، وبالتالي مضاعفة معاناة الفئات التي بحاجة إلى تلك المساعدات، والشرائح الأكثر احتياجاً ممن تتوقف متطلباتهم المعيشية الأساسية على المعونات الانسانية التي تقدمها تلك البرامج، لاسيما وأن برنامج الأغذية العالمي يشكل الرافد الرئيسي لتقديم المساعدات الغذائية في اليمن خاصة بعد اندلاع الصراع المسلح أواخر العام ٢٠١٤، حيث تشير التقديرات الى تلقي البرنامج ٦٠% من إجمالي التمويل المخصص لخطط الاستجابة (حوالي ٣٠ مليار دولار)، وربما تدفع عملية الاغتيال بالمنظمات الأممية والدولية الى تخفيض أنشطتها وتقليص عدد موظفيها، الأمر الذي قد يفاقم من الكارثة الإنسانية التي تشهدها البلاد.

مؤشرات إنسانية صعبة:

يواجه اليمن انخفاضاً حاداً في الأمن الغذائي، حيث تشير العديد من التقارير الى أن ما بين 71 % و78 % من اليمنيين يعانون من الفقر، وتشكل النساء الفئات الأشد تضرراً، وأن أكثر من ثلثي الرضع لا تتم تغذيتهم ورعايتهم على النحو المناسب. وبحسب خطة الاستجابة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة الصادرة في العام ٢٠٢٣، فإن نحو 80% من السكان يعانون من أجل الوصول الى الغذاء، ومياه الشرب الآمنة. 

وتشير تقارير وكالات الأمم المتحدة أن اليمن ما يزال واحد من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم، وأن ٣.٢ مليون شخص يعانون من مستويات شديدة من انعدام الامن الغذائي. ومن المرجح أن يتفاقم الوضع بسبب انخفاض المساعدات الانسانية في العام ٢٠٢٣، حيث أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت عن حاجتها لـ ٣.٢ مليار دولار لتمويل الخطة الإنسانية للعام ٢٠٢٣ في اليمن، الا أنها لم تتمكن من جمع سوى ١.٢ مليار دولار. مع الأخذ بالاعتبار حقيقة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة وتكاليف النقل الناتج عن تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية.

وكان البرنامج قد أعلن في ابريل/نيسان ٢٠٢٣، أن التمويل المتاح في الوقت الراهن يغطي ٢٧ % فقط من احتياجات البرنامج حتى نهاية العام، ولمواجهة النقص، جرى تقليل الحصص الغذائية وحجمها، إذ باتت الحصص الغذائية بعد التخفيض تعادل ٦٥ % من سلة الغذاء القياسية.

ختاماً؛ لا شك أن المنكوبين انسانياً في اليمن هم من يدفعون كلفة احباط جهود المنظمات الإنسانية في الوصول إليهم جراء تكرار الحوادث الارهابية ضد العاملين في مجال العمل الانساني والاغاثي في اليمن، وبالتالي فإن المؤشرات الانسانية في اليمن ستتفاقم في ظل تكرار مثل تلك الحوادث المتعمدة، ناهيك عن تراجع قدرات الاستجابة لتوفير المتطلبات الإنسانية التي يحتاج إليها اليمنيون، أما سياسياً فربما يشكل التحرك السريع من الحكومة لتوقيف الجناة نقطة ايجابية تحسب لصالحها، لكنها تأتي بعد اخفاقات متكررة في الجوانب الأمنية المتعلقة بعمل المنظمات الانسانية. 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات