الرئيسية تقديرات التفجير الإرهابي في المحفد: دلالة الزمان والمكان
التفجير الإرهابي في المحفد: دلالة الزمان والمكان
تقديرات إتجاهات أمنية

التفجير الإرهابي في المحفد: دلالة الزمان والمكان



عند الساعة السابعة والنصف صباح الـ 21 من أكتوبر 2025، شنّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هجوماً استهدف مقر قوات اللواء الأول دعم وإسناد، أحد ألوية الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي.

أتى الهجوم في سياق موجة تصعيد ملحوظة بدأت منذ منتصف العام 2022، حيث تضاعفت الهجمات التي يشنها التنظيم في كلٍ من أبين وشبوة، قبل إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي عن حملة "سهام الشرق" لمكافحة الإرهاب [1]، تلتها فترات متفاوتة من النشاط المكثف، خاصة بين مايو وسبتمبر 2023، شملت تصفية شخصيات أمنية رفيعة*[2]، وتنفيذ تفجيرات نوعية في المحفد ومودية. 

خلال العام 2024، شهد التنظيم انتعاشاً جديداً عبر حملة دعائية وتحشيدية أطلق عليها اسم "طوفان زارة"، مستوحياً مصطلح "طوفان" من عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس الفلسطينية، فيما تشير "زارة" إلى منطقة تقع غرب مدينة لودر.

تخضع مديريات المحفد ومودية ولودر وخنفر وأحور بمحافظة أبين جنوبي اليمن، لسيطرة قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ورغم سيطرة قوات المجلس على معظم أنحاء المحافظة، إلا أن التنظيم لا يزال ينشط في مناطق يصعب الوصول إليها في القرى الجبلية والوديان، وبالأخص المديريتين الشرقيتين للمحافظة المحفد ولودر. يُعدّ وادي عومران-مودية المعقل الأبرز للتنظيم، إلى جانب سلسلة جبال المراقشة في وادي موجان والنسيل قُرب لودر [3].

استفاد التنظيم من البيئة الجبلية الوعرة لبناء معسكرات صغيرة موزعة داخل المديريات سالفة الذكر كمخابئ ومواقع لتصنيع المتفجرات، لكنه لم يعد قادراً على السيطرة على مناطق جغرافية واسعة ومستقرة، لذا تظل المعلومات الميدانية متغيرة وسيناريوهات التمركز تتبدل بعد كل حملة عسكرية أو هجوم دفاعي للقوات الحكومية.

 

 لماذا تبحث القاعدة عن «انتصارات رمزية»؟

استخدم تنظيم القاعدة ثلاثة عناصر انتحارية لخفض فاعلية الحواجز عند بوابة المجمع، وهم عبدالرحمن حسن صالح عكروت المكني (سامح الصنعاني)، وأكرم رضوان الشرف المكنى (الكرار الصنعاني)، وأبوبكر الحديدي، [4] كضربة تفجيرية أولى عالية الأثر تعمل على تعطيل طبقات الحماية الأولى، تمهيداً لاقتحام المبنى بسيارة مفخخة يقودها العنصر الجهادي المكنى بالبراء الإبّي، والاستفادة من حالة الارتباك والاستجابة الارتجالية المؤقتة للقوات الأمنية، ومن ثم اندفع مسلّحو التنظيم إلى داخل المجمع لمحاولة اقتحامه والسيطرة عليه، فاندلعت اشتباكات عنيفة أستمرت قرابة 90 دقيقة.

بناءً على التقديرات الفورية للحادثة، قتل أربعة من قوات المجلس الانتقالي بالإضافة إلى جرح نحو خمسة عشر آخرين أُبلغ عنهم في التقارير الأولية [5]، بينما تشير المصادر الميدانية إلى أن جميع منفذي الهجوم قد قُتلوا أثناء العملية، وتُقدّر أعدادهم بحوالي خمسة إلى ستة تبعاً للتقارير.

بالنظر إلى طبيعة العملية من حيث الوسائل المستعملة -استخدام سيارة مفخخة لفتح المدخل، والتركيبة البشرية لمنفذي الهجوم التي تفيد بوجود نسبة كبيرة إذا لم تكن كاملة من الانتحاريين- فمن الأرجح أن العملية لم يكن الهدف منها السيطرة طويلة الأمد على المجمع الحكومي، وأنها أقرب ما تكون إلى عملية ذات طابع انتحاري/تكتيكي لإحداث اختراق أمني وتكبيد القوات المتمركزة خسائر ملموسة، بلا خطة سيطرة تستلزم موارد لوجستية، ووحدات احتلال تقليدية، كما أنه لم ترد دلائل على وجود عناصر احتياطية أو صفوف دعم لإمداد القوة المنفذة للهجوم أو تأمين محيط المجمع لفترات لاحقة، وهو شرط أساسي لسيطرة مستدامة.

على المدى القصير، ومن خلال الحاق الخسائر بالقوات الجنوبية، هدف التنظيم إلى إعادة فرض وجوده الميداني عبر الانتصارات الرمزية لإشغال الرأي العام، كقيمة تتفوق أحياناً على القيمة التكتيكية؛ لينال من خصومه نفسياً، ويعيد إقناع شبكات الدعم بأن الاستثمار في التنظيم يؤتي ثماره.

من الملاحظ أيضا، أن التنظيم يذهب نحو توسيع المساحات التشغيلية والهجومية في جغرافية أبين نحو المناطق المتداخلة مع شبوة، وامتداداً إلى البيضاء، مستغلاً طبيعة المشهد المركب في محافظة أبين على وجه الخصوص، حيث تتداخل فيه عدة عوامل منها النفوذ القبلي، واقتصادات التهريب، والتنافس بين فصائل محلية، مما يخلق مساحات رمادية تسمح لعناصر القاعدة ببناء شبكة لوجستية تمنحها القدرة على تنفيذ عمليات متقطعة ومتوالية من تمويل، تجنيد، وخلق ملاذات جبلية آمنة.

 

التكتيك التنظيمي وتنسيق الأطراف داخل القاعدة 

 في 19 أكتوبر/تشرين الأول، قام تنظيم القاعدة بإطلاق قذيفة آر بي جي على نقطة أمنية تابعة لقوات الحزام الأمني في مدخل مديرية الوضيع-أبين [6]، من أجل تشتيت المراقبة عن العملية الأكبر التي ينوي تنفيذها بعدها بيومين في مديرية المحفد، بتخطيط مباشر من أمير التنظيم في جزيرة العرب سعد العولقي، وحشد وتنفيذ من قبل الجنة العسكرية التابعة له.

توافقت أجنحة التنظيم المختلفة على توقيت التنفيذ لاعتبارات متباينة: الكتلة الصنعانية رأت بأنها مناسبة في ظل تجميد جبهات أخرى وتوقعها نشاط حوثي مواز -بعد توقف الحرب في غزة- في مناطق سيطرة الشرعية والجنوب على وجهِ التحديد؛ والكتلة الحضرمية رأت فيها فرصة لاستعادة هيبة التنظيم وتحسين شروط تفاوضه مع أطراف محلية وخارجية [7].

التقدير الميداني يلمّح إلى أن المحفد قد لا تكون نهاية موجة الاستهدافات؛ فقيادة التنظيم قد تجد في العمليات المتزامنة سبيلاً لتخفيف الضغط عن معاقلها وإجبار الخصم على إعادة توزيع قواته، مما يعني أن مراقبة شبوة والبيضاء مسألة ضرورية حاليا، إذ يحتمل تنفيذ هجمات مكملة أو موازية.

 

قراءة في الرمزية والتداخلات المحتملة

لا توجد دلائل مباشرة عن مشاركة الحوثيين في هذا الهجوم، على الرغم من وجود دلائل سابقة على وجود تنسيق غير معلن أو استفادة متبادلة في هجمات أخرى بين كلّ من تنظيم القاعدة والحوثيين، لكن الصور الدعائية التي نشرها التنظيم عقب تنفيذ الهجوم، يمكن أن تكون أداة لفك شفرة الرسائل الرمزية والدلالات الاستراتيجية التي يختار التنظيم بعناية إرسالها لجمهوره وللساحة الإقليمية.  

 صورة انتحاريي التنظيم تضمنت في الخلفية عبارة "أحفاد محمد بن مسلمة"، الصحابي الذي تذكره المصادر الإسلامية بأنه من أستطاع قتل شاعر بني النضير اليهودي كعب بن الأشرف، لكنه في الوقت ذاته من امتنع عن القتال فيما عُرف تاريخياً بـ"الفتنة الكبرى" بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وكسر سيفه على صخرة، متخذا لنفسه سيفًا من الخشب، ومعتزلا الفتنة.

 يُظهر التنظيم اختياراً واعياً للرمزية التاريخية والدينية، وهذا الاختيار يتيح له تقديم نفسه -للفاعلين اللادولتيين- ككيان يسعى للانتصار ضمن حدود "القتال المشروع"، مع توظيف فكرة الامتناع عن "الفتنة" كرمزية لاستقلالية قراره، وتعقلهُ عن الانخراط في صراع شامل مع نقيضه المذهبي (الحوثيين) ما لم يكن ذلك ضمن أهداف تخدم بقاءه وتعيد تموضعه دون استنزافه في جبهات متعددة.

ختاماً؛ من الواضح أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لايزال يمتلك قدرة على الحضور الميداني على الرغم من مشاكله البنيوية، ومحاصرته جغرافياً في معاقله التقليدية، وفقدانه لجغرافية آمنة، إلا أنه من خلال الهجمات المتفرقة -مع تقاوت حدتها وفاعليتها- على مواقع القوات الحكومية يحاول اثبات وجوده كفاعل قادر على إحداث أصداء واسعة النطاق، لا مجرد قوة دفاعية محاصرة.

على المدى المتوسط قد يعاني التنظيم من القدرة على صنع التوازن بين العمليات الميدانية، وتفادي الاستنزاف الأمني في صفوف عناصره من خلال العمليات الانتحارية، بالإضافة إلى حملات كـ"سهام الشرق" وشبكات الرصد الأمريكية، التي تقلل إمكانيات حركته. لذا من المتوقع أن يذهب التنظيم نحو تنفيذ عملياته في أطراف المناطق منخفضة الرقابة الأمنية، أو الممرات والطرق الإستراتيجية كالطريق الساحلي (محاور الإمداد بين عدن والجنوب الأوسط) وطرق ربط شبوة بأبين كونها تحكم الحركة اللوجستية للقيادات والقوات الجنوبية، وتوفر بيئة مساعدة للتموضع والاختباء، وتنفيذ العمليات التهريبية، وفي حالة تم استهدافها ستكون قادرة على عرقلة عملية الانتشار والإمدادات، ورفع كلفة الخسائر في الأصول العسكرية.


[1] سهام الشرق» عملية عسكرية في أبين – تفاصيل، مركز ساوث ٢٤ للاخبار والدراسات، ٢٣ أغسطس ٢٠٢٣،

 https://south24.net/news/news.php?nid=2882

[2] *تعد عملية اغتيال العميد عبد اللطيف السيد، قائد قوات «الحزام الأمني» بمحافظة أبين، الذي تم استهدافه بعبوة ناسفة استهدفت موكبه في مديرية مودية، هي الابرز للقاعدة ضد القادة الأمنيين.

[3] وادي عومران وتنظيم القاعدة.. الخلفية التاريخية والأهمية الاستراتيجية، درع الجنوب- الموقع الرسمي للقوات المسلحة الجنوبية،
https://deraalganoob.com/posts/37272

[4] الأسماء الحقيقية للمنفذين عملية المحفد -مصدر أمني في القوات التابعة للمجلس الإنتقالي-٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥.

[5] ارتفاع حصيلة هجوم "القاعدة" في اليمن إلى 12 قتيلا، اندبيندنت عربي، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥، https://h1.nu/1dnrZ

[6] هجوم بقذيفة “آر بي جي” يستهدف نقطة للانتقالي في الوضيع وإصابة أحد الجنود، الجنوب اليمني، ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥، https://southern-yemen.net/55329

[7] مقابلة خاصة، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات
التفجير الإرهابي في المحفد: دلالة الزمان والمكان - | مركز اليمن والخليج للدراسات