بدأ الانخراط الحوثي في إطار التصعيد الجاري في المنطقة، بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس الفلسطينية في 7 أكتوبر الماضي، وذلك عندما هدد زعيم حركة أنصار الله (الحوثيين) عبدالملك الحوثي، في 10 من الشهر نفسه، بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل.
وكان الملاحظ في هذا التهديد أنه ربط التصعيد الحوثي بمدى وطبيعة العمليات الإسرائيلية في غزة، فضلاً عن انخراط الولايات المتحدة بشكل عسكري في دعم إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، بدأ الحوثيون بالفعل في تنفيذ بعض الهجمات التي استهدفت إسرائيل عبر طائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى.
في هذا السياق، تحاول هذه الورقة الإجابة على بعض التساؤلات الرئيسية المتمثلة في الوقوف على ماهية وطبيعة التصعيد الحوثي ضد إسرائيل، وأنماط هذا التصعيد، وما إن كان يمثل بالفعل توسيعاً لرقعة الصراع الدائر أم أنه مجرد مناورة لتحقيق بعض الأهداف السياسية والاستراتيجية، فضلاً عن الوقوف على أوراق الضغط التي يملكها الحوثيون في ثنايا هذا الصراع، وآليات الاستجابة خصوصاً الإسرائيلية والأمريكية تجاه العمليات الحوثية.
مرحلتان أساسيتان
يمكن تقسيم التعاطي الحوثي مع تداعيات "طوفان الأقصى" إلى مرحلتين، وذلك على النحو التالي:
1- توجيه رسائل تحذيرية مشروطة: كانت بداية تعاطي الحوثيين مع التطورات في الداخل الفلسطيني، متمثلة في الخطاب الذي ألقاه عبد الملك الحوثي يوم 10 أكتوبر الماضي، والذي بارك فيه عملية "طوفان الأقصى" التي نفذت قبل ذلك بثلاثة أيام، واعتبرها "نصراً تاريخياً عظيماً"، مضيفاً أنها "ستساهم في تغيير المعادلات الميدانية داخل الأراضي الفلسطينية"[١].
لكن اللافت في الخطاب أنه ربط رد الفعل الخاص بالتنظيم تجاه التصعيد اللاحق لعملية "طوفان الأقصى"، ببعض المحددات الرئيسية وفي مقدمتها مدى انخراط الولايات المتحدة في الصراع الدائر وتدخلها بشكل مباشر في الحرب لصالح دعم إسرائيل، فضلاً عن أن خطاب الحوثي لم يحدد طبيعة وشكل ومدى رد الفعل الذي سيتبناه الحوثيون تجاه التصعيد، في مؤشر على غياب رؤية واضحة في البداية لطبيعة رد الفعل الحوثي تجاه التطورات المصاحبة لعملية "طوفان الأقصى".
2- تبني خيار "التصعيد التدريجي": انتقل الحوثيون في مرحلة لاحقة من الصراع إلى تبني خيار "التصعيد التدريجي" تجاه إسرائيل، بمعنى شن عمليات استهداف محدودة لبعض المناطق والأهداف الإسرائيلية. وتأكيداً لذلك نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريراً في 24 أكتوبر الماضي، تناول حيثيات عملية حوثية كبيرة كانت تستهدف العمق الإسرائيلي وتم إفشالها عبر المدمرة "يو إس إس كارني" التابعة للبحرية الأمريكية[٢]، وذكر التقرير أن "الحوثيين أطلقوا 5 صواريخ كروز تسلموها من إيران، كما أطلقوا نحو 30 طائرة من دون طيار في اتجاه إسرائيل، في هجوم كان أكبر مما وصفه البنتاجون في البداية" وفق تعبير الصحيفة.
وفي 31 أكتوبر المنصرم، أعلن الحوثيون عن إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة على أهداف في إيلات، وقال المتحدث باسم الحوثيين يحيى سريع في تصريحات إن "هذا الهجوم جاء نصرةً للفلسطينيين"، مؤكداً أنه "الهجوم الثالث من نوعه منذ بداية التصعيد"، ومشيراً إلى أن "هذه الهجمات سوف تستمر لحين إنهاء التصعيد في غزة"[٣].
وحتى اليوم، نفذ الحوثيون عدداً من الهجمات المشابهة، كان أهمها يوم 10 نوفمبر الجاري عندما شنت المليشيا هجوماً باليستياً تجاه مدينة إيلات، معلنة أن العملية حققت أهدافها وأصابت عدداً من الأهداف بشكل مباشر[٤].
وقد كشف نمط التعاطي الحوثي مع التصعيد في قطاع غزة عن تبني المليشيا لقواعد اشتباك معينة مع الحدث، تضمن من جانب التحرك في إطار التصعيد النسبي المحسوب بما يحقق بعض المكاسب السياسية والاستراتيجية، ومن جانب آخر تجنب أى خطوات ربما تُلحق أضراراً بالبيئة الأمنية والاستراتيجية في المنطقة، بما قد يدفع باتجاه زيادة مساحة المواجهة في المنطقة، ويكبد الحوثيين خسائر كبيرة.
أهداف سياسية
جاء الانخراط الحوثي في التصعيد المنبثق عن عملية "طوفان الأقصى" في ظل سياق إقليمي مضطرب، وذلك مع توجه العديد من الفاعلين المسلحين من دون الدول المحسوبين على إيران نحو تبني نمط "التصعيد المحسوب" ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة باعتبارها الداعم الأكبر للأولى. ويمكن القول إن الانخراط الحوثي في التصعيد الراهن مرتبط بجملة من الاعتبارات الرئيسية، التي يتمثل أبرزها في:
تهديد قائم
على الرغم من الإقرار بمحدودية التصعيد الحوثي تجاه إسرائيل حتى اللحظة، وكون هذا التصعيد جزءاً من التصعيد المحسوب الذي يتبناه ما يُعرف بـ"محور المقاومة" في المنطقة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تهديد كبير بالنسبة لإسرائيل من قبل الحوثيين، وذلك في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:
في الختام، يمكن القول إن التصعيد الحوثي ضد إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي، اتخذ طابع "التصعيد التدريجي المحسوب"، في إطار تماهي الحوثيين مع استراتيجية التصعيد المتبعة من قبل الفصائل الموالية لإيران في المنطقة. لكن تكلفة هذا التصعيد تظل محدودة بالنسبة للجانب الإسرائيلي في ظل تحديده لقواعد اشتباك محددة لا تصل إلى مستوى التهديد الاستراتيجي، فضلاً عن أن إسرائيل والولايات المتحدة تملكان عدة أوراق ضغط وردع تجاه الحوثيين خصوصاً ما يتعلق بإمكانية الدفع باتجاه إعادة تصنيف المليشيا ككيان إرهابي، فضلاً عن إمكانيات الردع العسكرية في ضوء امتلاك إسرائيل أنظمة إنذار مبكر وقدرات دفاعية متطورة، ضد صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، ووجود إسرائيل في جنوب البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب من خلال تحالفاتها مع كل من إثيوبيا وإريتريا وتطبيع علاقاتها مع دول القرن الأفريقي على النحو الذي أتاح لها فرصة استخدام موانئها والجزر التابعة لها لأغراض عسكرية، وتأمين خطوط تجارتها من وإلى ميناء إيلات.
[١] النص الكامل لكلمة عبدالملك الحوثي حول "طوفان الأقصى" والرد الإسرائيلي، سي إن إن، 11 أكتوبر 2023، متاح على:
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/10/11/houthi-speech-full-text-yemen-israel-hamas
[٢]
Iranian-Backed Militias Mount New Wave of Attacks as U.S. Supports Israel, WSJ, Oct. 24, 2023, available at:
https://www.wsj.com/world/middle-east/iranian-backed-militias-mount-new-wave-of-attacks-as-u-s-supports-israel-d51364d4
[٣] الحوثيون يتبنون لأول مرة قصف إسرائيل، الشرق الأوسط، 31 أكتوبر 2023، متاح على:
https://cutt.us/o5pMv
[٤] الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن "هجوم صاروخي" على إيلات، سي إن إن، 10 نوفمبر 2023، متاح على:
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/11/10/houthis-claim-missile-attack-on-southern-israeli-city-eilat-israel-reports-interception-of
[٥] نشرتها بالبحر الأحمر.. إسرائيل تعزّز دفاعاتها البحرية بزوارق، سكاي نيوز، 3 نوفمبر 2023، متاح على:
https://cutt.us/2zDJS
[٦] شوقي عواضة، مفاوضات على وقع الصواريخ البالستيّة، 24 سبتمبر 2023، متاح على:
https://www.26sep.net/index.php/newspaper/26opinion/64675-2023-09-24-20-05-42
[٧] الحوثيين يقلقون إسرائيل ... لماذا تدخلوا بحرب غزة وما ترسانة أسلحتهم؟، تي آر تي، 1 نوفمبر 2023، متاح على:
https://2u.pw/TZouk7S
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات