Home Estimates أبعاد ودلالات إعلان اتفاق وقف اطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة
أبعاد ودلالات إعلان اتفاق وقف اطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة
Estimates Regional and International Trends

أبعاد ودلالات إعلان اتفاق وقف اطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة


وسط تباين كبير في الروايات، أعلنت وزارة الخارجية العُمانية، في ٧ مايو الجاري، التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين، يقضي بوقف واشنطن لضرباتها الجوية ضد الحوثيين، مقابل التزام الجماعة بوقف استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر. هذا التطور اللافت جاء بالتزامن مع مفاوضات أمريكية إيرانية بشأن الملف النووي، ومساعي كل طرف لانتزاع انتصار من الآخر ولو كان ظاهريا، وباعتبار أن الحوثيين محسوبون على طهران،، فقد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق بأنه "استسلام حوثي"، بينما نفى الحوثيون وجود أي اتفاق رسمي مع واشنطن، وفيما يشبه إعلان انتصار، أكد قيادي حوثي أن جماعته نجحت في "تحييد" الولايات المتحدة عن المعركة ضد إسرائيل، رغم بيان الخارجية العمانية المؤكد لاتفاق عبرها.

في ظل عدم الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق، وما اتضح بأنه لم يشمل إسرائيل، حيث استمر الحوثيون بإطلاق مسيراتهم/صواريخهم نحوها، فإن فك الارتباط بين تل أبيب وواشنطن في هذا الملف تحديدا، له دلالاته الجيوسياسية في سياق التوازنات الإقليمية المتحركة. كذلك يطرح الاتفاق وطريقة إعلانه، تساؤلات جوهرية حول مكاسب وخسائر الأطراف المنخرطة فيه، خاصة الحوثيين، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في قلب تسوية غير متوقعة تحصر الصراع في حدود معينة، دون أن تعالج أهدافهم المعلنة من "نصرة غزة"، ولا تمنعهم من الاستعراض الصاروخي في نفس الوقت.

 

مضمون الاتفاق وسياقه الأوسع
يبدو أن هناك ميلاً واضحاً إلى حماية المصالح الأمريكية، وفق مبدأ "أمريكا أولاً"، عبر تأمين الملاحة الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، دون أن تتطرق واشنطن بوضوح إلى مآلات الصراع الأشمل، وموقع حليفتها الرئيسية في المنطقة منه، فقد تجنب الاتفاق الإشارة إلى إسرائيل، تاركاً الباب مفتوحاً أمام الحوثيين لمواصلة خطابهم الصدامي، بل وحتى تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية دون خرق "تقني" للاتفاق. بالمقابل، لم تقدم واشنطن أي تنازلات اقتصادية أو سياسية للجماعة، لا فيما يخص تصنيفهم كمنظمة إرهابية، ولا في مسألة العقوبات، مما يجعل كلفة التهدئة باهظة من ناحية المكاسب الحوثية، إلا إذا قُرئ الاتفاق ضمن سياق إيراني أوسع.

جاء إعلان الاتفاق، في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، والمحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، والمساعي الترامبية بالدفع قدماً بملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، وهي ملفات تبدو أكثر أولوية لواشنطن من الملف اليمني حاليا.

من جهة أخرى، فإن التصريحات المتناقضة حول الاتفاق تعكس اهتمام كل طرف باستثماره لمصلحته، بغض النظر عن الوقائع، فالرئيس ترامب استخدمه كأداة دعائية لتصوير نفسه كمن نجح في فرض إرادته على جماعة إرهابية "مارقة"، في لحظة سياسية داخلية يعاني فيها من انتقادات اقتصادية متصاعدة. أما الحوثيون، فقد تبنوا خطاباً ملتبساً، يرفض الاعتراف بالاتفاق من جهة، ويُظهره كإنجاز استراتيجي من جهة أخرى، مما يكشف حجم التناقض بين خطابهم التعبوي وحساباتهم الواقعية، بل قد يعكس تفاجؤ الجماعة نفسها بذلك الإعلان، وكأنه أتى حصيلة مفاوضات بين واشنطن وطهران، مع تقديم غطاء عماني للإعلان الرسمي.

 


الحسابات المختلفة 
تبدو إيران المستفيد الأكبر من الاتفاق، إذ حققت ما يشبه "التهدئة بالتكافؤ" دون أن تظهر مباشرة في المشهد، فقد نجحت في حماية أحد أبرز حلفائها من التصعيد الأمريكي، ووفرت لنفسها متنفساً في لحظة إقليمية ودولية ضاغطة، دون أن تقدم أي تنازل جوهري، بل واحتفظت بورقة الحوثيين كسلاح ضغط في أي مفاوضات مقبلة. كما بعثت برسائل طمأنة غير مباشرة إلى إسرائيل، بأن جبهة الحوثيين قد لا تكون أولوية في هذه المرحلة، ما يتيح لطهران ترتيب أولوياتها ومواقعها.

بالمقابل، حصدت إدارة ترامب مكاسب فورية، فقد تمكنت من تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة في البحر الأحمر، وحافظت على مصالحها البحرية والاستراتيجية، دون خوض حرب مُكلفة وغير مضمونة النتائج. كذلك، ساهم الاتفاق في تهدئة المخاوف المرتبطة بأسعار الطاقة والتضخم، وهي قضايا شديدة الحساسية في الداخل الأميركي. ضمن هذا السياق، يظهر الاتفاق كجزء من سياسة أميركية أوسع تقوم على تقليص الحضور العسكري المباشر، وتبني نهج "الاحتواء الذكي" بدل الانخراط المباشر.

أما الحوثيون، فرغم تمكنهم من تحييد الضربات الأمريكية، فإنهم خرجوا بمكاسب محدودة، معظمها دعائي. إذ لا يشمل الاتفاق رفع العقوبات أو تخفيف الضغوط الاقتصادية، ولا يعيد النظر في تصنيفهم كمنظمة إرهابية. بهذا المعنى، فإن قبولهم بتهدئة جزئية دون مقابل جوهري يطرح علامات استفهام حول استقلال قرارهم، ويعزز الانطباع بأنهم جزء من أجندة إيرانية أوسع، وعلى المستوى الداخلي، يجد الحوثيون صعوبة في تبرير الاتفاق أمام جمهورهم، خصوصاً بعد تصعيد خطابهم تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، ما اضطرهم إلى تبني خطاب إنكاري يتهرب من الاعتراف الرسمي بأي تفاهم، ومحاولة تسويقه كاستجابة أمريكية لتهديد حوثي أثناء زيارة ترامب للمنطقة.

إسرائيل، من ناحيتها، تنظر إلى الاتفاق بعين القلق، حيث ترى في الاتفاق جزءاً من مسار تفاوضي أوسع بين واشنطن وطهران، قد ينتهي إلى إحياء الاتفاق النووي، وهو ما تعتبره تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي، وفي نفس الوقت لم تكن مرئية في الاتفاق الأخير، وكأن واشنطن تركت مسألة الرد على الحوثيين لحكومة نتنياهو وحدها، وهو تطور غير مسبوق في مواقف الطرفين.

السعودية بدورها، ورغم عدم مشاركتها المباشرة في الاتفاق، إلا أنها تتقاطع معه في العديد من المصالح، فالاتفاق يخدم سياسة الرياض الجديدة في التهدئة والانكفاء عن الصراعات، ويفتح المجال أمام ترتيبات إقليمية تركز على التنمية والاستقرار، لكنه في الوقت ذاته يعزز من حضور الحوثيين كقوة أمر واقع في اليمن، ويضعف من موقع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مما قد يعقّد مسار التفاوض الداخلي ويطيل من أمد الأزمة اليمنية.

 

تقييم مختلف لليمن
يشير الاتفاق إلى تحولات استراتيجية أعمق في تعامل واشنطن مع قضايا الشرق الأوسط، تتجه (الاستراتيجية) نحو إدارة الأزمات بدلاً من حسمها، وتفضل الاستقرار المؤقت على الحلول الجذرية، وإلى تراجع مكانة اليمن في أولويات الفاعلين الدوليين، حيث يتم التعامل مع الأزمة اليمنية كفرع من ملفات أكبر: أمن الملاحة، النفوذ الإيراني، والتطبيع العربي-الإسرائيلي.

تبدو سلطنة عمان المستفيد الإقليمي الصامت من هذا الاتفاق، إذ نجحت مجدداً في لعب دور الوسيط الهادئ، وأكدت موقعها كقناة خلفية موثوقة في الصراعات المعقدة. من جهة أخرى، يُظهر الاتفاق أن الحوثيين يُدارون ضمن حسابات إقليمية أوسع، وأن أدوات الصراع اليمني باتت تُستخدم لتسوية ملفات لا علاقة مباشرة لها باليمن كدولة أو كشعب.

كما أن ارتباط الاتفاق بالملف النووي الإيراني بات أكثر وضوحاً، في ظل المؤشرات المتزايدة على وجود تفاهمات متوازية بوساطة عمانية. يبدو أن طهران، الساعية لتخفيف الضغط الدولي عنها، بدأت بإعادة ترتيب جبهاتها، ومن ضمنها ضبط إيقاع الحوثيين بما يخدم استراتيجيتها التفاوضية مع واشنطن.

 

خاتمة
يعكس الاتفاق بين الحوثيين والولايات المتحدة تحولاً نوعياً في إدارة التوترات الإقليمية، حيث باتت التسويات الجزئية والمصلحية تحل محل المواجهات الشاملة والمبادرات السياسية الكبرى. لقد نجحت الأطراف الدولية والإقليمية في تأمين مصالحها العاجلة، لكنها فعلت ذلك على حساب اليمنيين، الذي لا يزالون يعانون من إرهاب الحوثيين وغياب أفق سياسي حقيقي يُنهي أزمتهم المستعصية.

الاتفاق، رغم ما قد يبدو من نجاحاته التكتيكية، فإنه يكرس واقع تجزئة الصراع اليمني، ويضعف فرص الحل السياسي الشامل، ويؤكد أن القضايا الإنسانية والسياسية اليمنية باتت رهينة لصراعات إقليمية أكبر. وفي المحصلة، فإن أي تهدئة لا تنطلق من رؤية شاملة لمعالجة جذور الأزمة اليمنية، تبقى هشة وعابرة، تسكن الضجيج مؤقتاً، لكنها لا تطفئ جذوة الصراع.


 

The stated views express the views of the author and do not necessarily reflect the views of the Center or the work team.

Comments