Home Estimates مؤشرات ودلالات التصعيد الحوثي الحالي داخلياً وخارجياً
مؤشرات ودلالات التصعيد الحوثي الحالي داخلياً وخارجياً
Estimates Security Trends

مؤشرات ودلالات التصعيد الحوثي الحالي داخلياً وخارجياً

قال ثلاثة مسؤولين عسكريين أمريكيين كبار لشبكة فوكس نيوز إن الحوثيين في اليمن أطلقوا لأول مرة صواريخ أرض-جو على مقاتلة أميركية من طراز "إف-16" كانت تحلق قبالة ساحل اليمن فوق البحر الأحمر في 19 فبراير 2025 (1)، وكان لافتاً أن هذه العملية جاءت بالتزامن مع تصعيد حوثي على مستوى الجبهة الداخلية، ضد قوات الجيش اليمني في محافظتي مأرب والجوف، وهو السياق الذي طرح تساؤلات حول مغزى ودلالات هذا التصعيد الحوثي داخلياً وخارجياً في التوقيت الراهن، فضلاً عن التداعيات المحتملة لهذا النهج الحوثي.

 

أولاً- قراءة في مؤشرات التصعيد الحوثي
تُعبّر المعطيات السابقة عن تبنّي تنظيم الحوثي لأنماط تصعيدية متعددة إن كان لجهة التعامل مع الولايات المتحدة، أو على مستوى الجبهة اليمنية الداخلية، وتتجلى مؤشرات ذلك فيما يلي:

  1. استهداف المدمرة الأمريكية "إف – 16": تبنى الحوثيون تصعيداً نوعياً ولافتاً ضد الولايات المتحدة، حيث أطلقوا لأول مرة صواريخ أرض-جو على مقاتلة أميركية من طراز "إف-16"، كما استهدف التنظيم طائرة أمريكية بدون طيار من طراز "إم كيو-9 ريبر" كانت تحلق فوق اليمن خارج المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
    وبشكل عام ارتبطت أهمية هذه العملية بمجموعة من الاعتبارات والعوامل، أولها أنها المرة الأولى التي يهاجم فيها التنظيم طائرة من طراز "إف – 16" بما تحمله من أهمية بالنسبة لسلاح الجوي الأمريكي، إذ تعد هذه الطائرة واحدة من أهم المقاتلات التي تملكها الولايات المتحدة، وثانيها أن العملية هي الثانية من نوعها في غضون شهر واحد، حيث أعلن التنظيم في 15 يناير 2025، عن استهداف حاملة الطائرات الأمريكية "يو أس أس هاري ترومان" وقطعاً بحرية تابعة لها شمالي البحر الأحمر (2)، وثالثها أن هذه العمليات الحوثية جاءت بالتزامن مع استمرار الهجمات المتبادلة بين الجانبين، حتى وإن كان بوتيرة أقل، بالتزامن مع استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما يعني عملياً أن الجبهة الحوثية باتت منفصلة عن جبهة غزة.
  2. التلويح بالتصعيد حال تهجير سكان غزة: كان لافتاً أن هذا الهجوم الحوثي جاء بالتزامن مع ذروة تفاعلات ملف تهجير الشعب الفلسطيني، عقب أطروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واليمين المتطرف في إسرائيل بهذا الخصوص، وكان عبد الملك الحوثي قد وجه تحذيرات في 13 فبراير 2025، من تهجير الشعب الفلسطيني، وأشار إلى أن "التنظيم سوف يستأنف هجماته حال تنفيذ الرئيس دونالد ترامب لخطط تهجير الفلسطينيين"، كما أضاف أنهم "سيشنون هجمات بالصواريخ والمسيرات والسفن في حال فرضت الإدارة الأمريكية خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة" (3).
    ويستمر تنظيم الحوثي في ضوء هذه المواقف في تبني مقاربة براجماتية تجاه تطورات الملف الفلسطيني، وذلك على مستويات متعددة أولها استمرار التأكيد على فكرة جبهة الإسناد والتضامن مع الفلسطينيين، وثانيها أن التنظيم يتبنى "سياسة الهروب إلى الأمام" من أزماته الداخلية، عبر استمرار الترويج لسردية الجبهات الخارجية، وثالثها أن التنظيم مستمر في رهانه على التحول لأحد أهم الفاعلين في إطار المحور الإيراني في المنطقة، خصوصاً بعد حالة الضعف التي أصابت الأذرع الإيرانية الأخرى وخصوصاً حزب الله اللبناني. 
  3. مهاجمة قوات الجيش اليمني: تزامن هذا التصعيد الحوثي مع تصعيد آخر نوعي في الداخل اليمني، حيث أعلن الجيش اليمني تصديه لهجمات متزامنة شنها تنظيم الحوثي في عدة جبهات قتالية بمأرب والجوف وتعز (4)، فضلاً عن محاولات تسلل من قبل عناصر من التنظيم إلى محافظة مأرب.
    ويبدو أن التركيز الحوثي على محافظة مأرب يأتي على وقع مجموعة من الاعتبارات الرئيسية، أولها أن التنظيم ومنذ سنوات يفرض حالة أشبه بالحصار على المدينة بهدف إضعاف القوات الحكومية، وثانيها أن السيطرة على مأرب تعني السيطرة على شمال اليمن بشكل شبه كامل، وثالثها أن المدينة تحظى بأهمية جيوسياسية كبيرة إذ إنها تقع على الطريق الأسهل من الشمال نحو محافظة شبوة في الجنوب (وهي واجهة بحرية تطل على خليج عدن وبحر العرب) ومحافظة حضرموت، حيث تتمركز قوات التحالف، كذلك فإن مأرب تحد صنعاء من ناحية الشمال، ما يعني عملياً أن أحد مرتكزات تأمين صنعاء بالنسبة للحوثي، تتمثل في تحييد القوات الحكومية عن مأرب.
    ورابعها أن التنظيم وفي ضوء الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لمأرب يرى أن السيطرة عليها سوف تضمن له المزيد من النفوذ السياسي كسلطة أمر واقع، فضلاً عن نظرته أن السيطرة عليها سوف تعزز الموقع التفاوضي للحوثي.
    وخامسها أن محافظة مأرب من المحافظات الغنية بالنفط في اليمن، وبالتالي فالسيطرة عليها تعني الحصول على المزيد من التمويلات والدعم المالي للتنظيم، كما أنها تحظى بأهم الموارد الاقتصادية بالنسبة للحكومة اليمنية. ووفقاً لبعض التقديرات فإن مأرب تملك أكبر حقول النفط في اليمن، وهي المحافظة الوحيدة المنتجة للغاز الطبيعي في الوقت الراهن. كما يمتد خط أنابيب الغاز الطبيعي من مأرب إلى ميناء بلحاف على بحر العرب في محافظة شبوة، ويمتد خط أنابيب النفط من مأرب إلى ميناء رأس عيسى بالقرب من الحديدة في الغرب ويوجد بالمحافظة أكبر محطة كهرباء في البلاد، وتشكل الإيرادات الناتجة عن تصدير النفط الخام المنتج في مأرب 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لليمن، وفي حال سيطرة الحوثيين عليها سيحقق الحوثيون عائدات تقدر بين 1.3 و 5.5 مليون دولار في اليوم، ومن المرجح أن يغير ميزان القوى في البلاد، إذ ستخسر الحكومة ما لا يقل عن 19.5 مليون دولار شهرياً من صادرات النفط الخام.

 

ثانياً- دلالات التصعيد الحوثي
يأتي هذا التصعيد الحوثي الأخير على مستوى الجبهة الداخلية، وعلى مستوى البحر الأحمر، ليعبر عن مجموعة من الدلالات المهمة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

  1. استعراض القدرات العسكرية للتنظيم: سعى تنظيم الحوثي عبر الاستهداف الأخير للطائرة الأمريكية "إف – 16"، إلى استعراض قدراته العسكرية، فعلى المستوى العسكري والتكتيكي، اعتمد التنظيم في استهداف المدمرة الأمريكية، على صواريخ أرض جو، وهي صواريخ بعيدة المدى، وتتميز بإمكانية إطلاقها من منصات متحركة، فضلاً عن قدرتها على التشويش على الهدف، ومن جانب آخر يبدو أن التنظيم اعتمد في رصد مسار وتحركات المقاتلة الأمريكية على رادارات مضادة للطائرات، فضلاً عن الرادارات وأنظمة الـ GPS الخاصة بالصواريخ الأرض جو نفسها.
    ويبدو أن التنظيم أراد أن يبعث رسائل استباقية على أكثر من مستوى، أولها أن لديه من الإمكانات العسكرية ما يؤهله لتنفيذ ضربات نوعية ضد المدمرات الأمريكية والطائرات المسيرة، فضلاً عن القدرات الخاصة برصد هذه الأسلحة الأمريكية، وثانيها أن التنظيم أرد بعث رسائل برفع تكلفة أي استهداف محتمل له خصوصاً مع تنامي التقديرات باحتمالية توجيه الولايات المتحدة أو إسرائيل لضربات نوعية ضد التنظيم، وثالثها أن التنظيم يسعى إلى استمرار تملك ورقة البحر الأحمر، كأحد أدوات الضغط النوعية لديه.
  2. استعدادات حوثية لضربات نوعية: يبدو أن تنظيم الحوثي وفي إطار السياق الإقليمي والدولي الراهن، والذي تطغى عليه التكهنات والتقديرات باحتمالية توجيه الولايات المتحدة أو بريطانيا أو إسرائيل للمزيد من الضربات النوعية للحوثي، يسعى إلى تحقيق نوع من الردع عبر رفع تكلفة التصعيد، وبشكل عام كان هناك مجموعة من المؤشرات التي عبرت عن استعدادت حوثية لهذا السيناريو، ومنها ما ذكرته تقارير (5) من أن الحوثي خلال الشهرين الماضيين عن حالة الاستنفار القصوى في صفوف مُقاتليهم، وكثّفوا زياراتهم الميدانية للتشكيلات المسلَّحة التابعة لهم، ومناطق الحشد القبلي، فضلاً عن توسيع عمليات التجنيد خصوصاً في محافظات إب وصنعاء وتعز، كما شملت الاستعدادات تغيير مواقع عقد الاجتماعات، ونقل مراكز القيادة والسيطرة من مواقعها السابقة، وتقييد تحركات القيادات البارزة، وخاصة المنتمين للجناح العسكري المعروف باسم «المكتب الجهادي». 
  3. استراتيجية "الردع والتخويف" للمواطنين: يبدو أن الحوثيين وفي ضوء تنامي وطأة الأزمات الاقتصادية الاجتماعية في مناطق سيطرة التنظيم، فضلاً عن تنامي وتيرة الانتهاكات التي يمارسها التنظيم وما يتبعها من احتجاجات خصوصاً على المستوى القبلي، يسعى إلى بث حالة من الخوف والرعب في نفوس المواطنين اليمنيين، كتعامل استباقي مع أي تحركات احتجاجية، أو تحركات مناوئة محلية ضد التنظيم.
    وكانت الأشهر الأخيرة قد شهدت بالفعل العديد من الاحتجاجات الفئوية ضد تردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الحوثي، فضلاً عن تظاهرات من العديد من القبائل على غرار تظاهرات لأهالي حراز، وتظاهرات لقبائل الحدا، وقبائل خولان، وأبناء وصاب بمحافظة دمار، والعديد من التظاهرات في صنعاء نفسها (6).
  4. التحضير لمعركة عسكرية جديدة في اليمن: يبدو أن حالة الحشد والتعبئة الحوثية، فضلاً عن التصعيد العسكري في العديد من المناطق، تأتي في إطار الاستعداد الحوثي لمعركة جديدة في اليمن مع معسكر الشرعية، تتصاعد المؤشرات بخصوصها في الآونة الأخيرة، وذلك في ضوء مجموعة من العوامل الرئيسية، أولها تنامي حديث معسكر الشرعية عن ضرورة الحسم العسكري مع الحوثي، وثانيها دعوة العديد من القبائل خلال الأسابع الأخيرة إلى حالة استنفار ضد التنظيم، وثالثها تنامي المواجهات بين الحوثي وقوات الشرعية في بعض النقاط. بما يعكس أن التنظيم ربما يسعى لأن تكون ضربة البداية من عنده في هذه المعركة.
  5. التعاطي مع الضغوط الحالية: يسعى الحوثي عبر هذا التصعيد متعدد الأبعاد إلى تحقيق مجموعة من المكاسب الرئيسية، أولها أنه وعبر التصعيد في البحر الأحمر وعبر رفع تكلفة المواجهة مع واشنطن، يسعى إلى الضغط على الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بملف التصنيف على لوائح الإرهاب وما سيتبعه من تداعيات، وثانيها أن التنظيم يسعى إلى كسب المزيد من النفوذ العسكري والتوسع ميدانياً بما يعزز من موقعه التفاوضي، وثالثها أن استراتيجية التنظيم منذ سنوات تقوم على التصعيد من أجل الحصول على مقابل للتهدئة، على غرار الاعتراف بهم كطرف في أي مباحثات للتسوية، فضلاً عن مكاسب استراتيجية أخرى على غرار تقاسم العوائد النفطية مع معسكر الشرعية، ودعم جهود إعادة تأهيل موانئ البحر الأحمر خصوصاً ميناء الحديدة، وزيادة حركة الطيران في مطار صنعاء، والعديد من المكاسب الأخرى. ورابعها أن التنظيم يسعى إلى إبراز نفسه كأحد أهم الأذرع الإيرانية بعد حالة الضعف التي أصابت حزب الله، بما يضمن له المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي من طهران.

 

إجمالاً يمكن القول إن التصعيد الحوثي الأخير سواءً في البحر الأحمر أو في الداخل اليمني، لم يأت فقط على وقع الضربات الأمريكية البريطانية المستمرة ضد التنظيم ومناطق سيطرته، فضلاً عن محددات الصراع المستدامة منذ سنوات مع معسكر الشرعية، بل جاء بالأساس مدفوعاً بحسابات براجماتية للتنظيم للتماهي والتعاطي مع الأمر الواقع الجديد إقليمياً وداخلياً، وهو السياق الذي غلب عليه حالة من النبذ للحوثي، وحالة من التصعيد الكبير ضده على كافة المستويات، وهنا يلجأ التنظيم إلى سياسة "الهروب إلى الأمام" عبر فتح العديد من الجبهات التصعيدية، من أجل كسب مواقف ونفوذ يمكن تحقيق مكاسب تفاوضية على إثرها.


[1] Houthis target US fighter jet, drone with SAM missiles for first time, FOX News, February 22, 2025, available at:

https://www.foxnews.com/world/houthis-target-us-fighter-jet-drone-sam-missiles-first-time

[2] الحوثيون: استهدفنا حاملة طائرات وقطعاً بحرية أميركية في البحر الأحمر، العربي الجديد، 15 يناير 2025، متاح على:

https://2u.pw/5ct9tHFa

[3] Yemen’s Houthi leader accuses US of encouraging Israel to violate Gaza ceasefire deal, Anadolu Agency, February 13, 2025, available at:

https://www.aa.com.tr/en/middle-east/yemen-s-houthi-leader-accuses-us-of-encouraging-israel-to-violate-gaza-ceasefire-deal/3481350

[4] الجيش اليمني يحبط هجمات للحوثيين على 3 جبهات، إرم نيوز، 23 فبراير 2025، متاح على:

https://www.eremnews.com/news/arab-world/hqg3i24

[5] الحوثيون ينفذون أوسع عملية تجنيد لطلاب المدارس الثانوية، الشرق الأوسط، 18 ديسمبر 2024، متاح على:

https://2u.pw/XIgGuY43

[6] تصاعد الغضب القبلي عام 2024: مواجهات واحتجاجات ضد الحوثيين، خبر للأنباء، 1 يناير 2025، متاح على:

https://www.khbr.me/news224287.html

 

The stated views express the views of the author and do not necessarily reflect the views of the Center or the work team.

Comments