مثل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي عالمي من الدرجة الأولى، تحولاً لافتاً في الموقف الأمريكي تجاه التنظيم اليمني، خصوصاً وأنه عبر عن طبيعة النهج والمقاربة التي ستتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الحوثي، وهي المقاربة التي سيغلب عليها فكرة "الضغوط القصوى"، وما زاد من أهمية ونوعية هذا القرار، أنه جاء بالتزامن مع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فضلاً عن أنه بالتأكيد سيحمل انعكاسات وتداعيات على كافة المستويات، سواءً الأمنية والعسكرية أو السياسية والإنسانية والاقتصادية، وفي هذا الإطار يحاول مركز اليمن والخليج للدراسات، من خلال هذه الورقة، تقديم رؤية تفصيلة بخصوص دلالات هذا القرار والتداعيات المحتملة له على كافة المستويات، مع التركيز على التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية. وبالإضافة لرصد هذه التداعيات يحاول خبراء المركز من خلال هذه الورقة الوقوف على أبعاد وحدود وطبيعة التعامل الحوثي مع القرار الأمريكي الأخير، فضلاً عن رصد آثاره المحتملة بالنسبة للحوثيين.
أولاً: التداعيات السياسية
د. علي يحيى عبدالله
استاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، وخبير بمركز اليمن والخليج للدراسات
يُعد قرار إدارة الرئيس ترامب بإعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية تحولًا بارزًا في السياسة الأمريكية تجاه الجماعة، حيث يعكس تبني نهج أكثر تشددًا مقارنة بفترة إدارة بايدن التي شهدت إلغاء هذا التصنيف. ويحمل القرار أبعادًا رمزية وعملية تهدف إلى تشديد الضغوط على الجماعة من خلال فرض عقوبات صارمة تستهدف قياداتها، ومواردها المالية، وشبكات دعمها. كما يعكس القرار رغبة واضحة في الحد من قدرات الحوثيين على الاستمرار في أنشطتهم العدائية، لا سيما الهجمات التي تهدد أمن الملاحة الدولية والتجارة العالمية عبر البحر الأحمر وباب المندب (1).
يحمل قرار إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية تداعيات سياسية وأمنية معقدة على المستويين اليمني والإقليمي. من الناحية السياسية يُعتبر القرار عقبة أمام الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإحياء العملية السياسية، حيث يُمكن أن يدفع الحوثيين إلى رفض الانخراط في أي حوار سياسي، باعتبار التصنيف موقفًا عدائيًا من الولايات المتحدة، هذا التصعيد قد يزيد من تعميق حالة الجمود السياسي في اليمن، خاصة مع استمرار ارتباط الجماعة بإيران وتصعيدها العسكري، مما يُضعف فرص الوصول إلى تسوية سلمية شاملة ويُعقد الأزمة الإنسانية والاقتصادية القائمة. ولذلك، أبدت صنعاء موقفًا حازمًا تجاه القرار، واعتبرته امتدادًا لما وصفته بالعدوان الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة. وأكدت القيادة الحوثية، من خلال تصريحات المجلس السياسي الأعلى، أن القرار لن يُحقق أهدافه بل سيُقابل بإجراءات مكافئة تشمل تصعيدًا عسكريًا وتضييقًا على الملاحة الدولية. وحذرت صنعاء من تداعيات القرار على المصالح الأمريكية وشركائها الإقليميين، مشيرة إلى استعدادها لفرض عقوبات مضادة واستهداف المصالح الإقليمية والدولية ردًا على أي خطوات تصعيدية (2).
يُظهر رد الحوثيين الأولي إدراكًا واضحًا لتداعيات قرار تصنيفهم كمنظمة إرهابية، حيث اتخذوا خطوات تهدف إلى التهدئة النسبية، مثل تقليص الهجمات في البحر الأحمر والإفراج عن أسرى للطرف الآخر ضمن مبادرة إنسانية شملت حالات مرضية وكبار سن (3). بالإضافة إلى ذلك، جاء الإفراج عن أفراد طاقم سفينة "غالاكسي ليدر"، وهم 25 شخصًا من جنسيات مختلفة (4)، بعد يوم واحد فقط من صدور التصنيف الأمريكي، في خطوة قد تهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية وامتصاص ردود الفعل المحتملة. هذه الإجراءات تشير إلى محاولة الحوثيين لتجنب تصعيد إضافي قد يؤدي إلى فرض عقوبات أشد أو عمليات عسكرية موسعة ضدهم. ومع ذلك يبقى تأثير هذه الخطوات مرهونًا بتطورات الأحداث ميدانيًا ومدى قدرة الأطراف الدولية على صياغة استجابة موحدة لمواجهة التهديدات التي تفرضها الجماعة.
على المستوى الداخلي، يؤدي التصنيف إلى تعميق الانقسامات بين الأطراف اليمنية، حيث قد ترى الحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية في القرار دعمًا دوليًا يعزز مواقفها، مما قد يدفعها إلى تبني مواقف أكثر تشددًا تجاه الحوثيين. وفي هذا السياق، أكد أحمد عوض بن مبارك، رئيس مجلس الوزراء، بأن الحكومة الشرعية تثمن هذه الخطوة وترى أنها توجه رسالة واضحة للحوثيين بأن المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، يمتلك أدوات ضغط مهمة يجب استخدامها ضد هذه الميليشيا. وأضاف بأن الاتصالات بين الحكومة اليمنية والإدارة الأميركية مستمرة بهذا الشأن، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تعكس تحولًا في نهج واشنطن نحو مقاربة شاملة للأزمة اليمنية. تتجاوز الجوانب الإنسانية لتشمل الحلول السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، مع التأكيد على أن وجود الحوثيين يفاقم الأوضاع الإنسانية أكثر من أي تداعيات محتملة للقرار (5).
في المقابل قد يؤدي تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى تصعيد تعنتهم السياسي والعسكري، مما يعمق الانقسامات بين الأطراف المتصارعة ويعرقل جهود السلام. في ردها اعتبرت جماعة الحوثي القرار الأمريكي " لا يخدم الاستقرار في المنطقة أو جهود السلام " واعتبرته استمرارًا لموقف عدائي بسبب دعمهم للفلسطينيين (6). هذا التصعيد يعقد فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ويزيد من تعقيد جهود الوساطة الأممية.
أما على المستوى الإقليمي، فيعزز تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية موقف التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي يسعى منذ سنوات إلى تقويض نفوذ الجماعة وإنهاء الأزمة اليمنية. وفي نفس الوقت يبعث القرار برسالة واضحة عن دعم الولايات المتحدة لشركائها الإقليميين، مما قد يشجع على تصعيد الجهود العسكرية والدبلوماسية للحد من نفوذ الحوثيين. في المقابل تنظر إيران، الحليف الرئيسي للحوثيين، إلى هذا التصنيف كخطوة تصعيدية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، مما قد يدفعها إلى تعزيز دعمها للجماعة على المستويين السياسي والعسكري. هذا الاستقطاب الإقليمي يزيد من تعقيد فرص التوصل إلى حل سلمي، إذ يتصاعد التنافس بين الأطراف وتتعمق الخلافات، مما يهدد بإطالة أمد الأزمة اليمنية واستمرار تداعياتها السياسية والإنسانية.
من الناحية الدولية، يضع القرار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في موقف صعب، فالأمم المتحدة التي تعتمد على شمولية الأطراف لضمان نجاح أي مفاوضات، قد تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع جماعة مصنفة كإرهابية من قبل الولايات المتحدة. هذا الوضع قد يحد من قدرتها على إقناع الحوثيين بالمشاركة في عملية السلام، مما يؤدي إلى تراجع ثقة الأطراف الدولية بفعالية الدور الأممي في الأزمة اليمنية.
ومع ذلك، من المتوقع أن يُحدث قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية تحولًا ملحوظًا في ديناميكيات الصراع اليمني، حيث قد يدفع الجماعة للانخراط بجدية أكبر في مسار السلام، خصوصًا إذا ترافق التصنيف مع إجراءات عملية لوقف إمدادات السلاح والدعم المالي، كما أن تعزيز التعاون الإقليمي بين الولايات المتحدة وحلفائها قد يسهم في ايجاد بيئة أكثر صرامة تجاه الحوثيين، مما قد يُعيد التوازن في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، قد يعزز هذا القرار الديناميكيات السياسية القائمة على القوة بدلاً من تعزيز الحوار، مما يفتح المجال أمام عسكرة النزاع وتصاعد المواجهات السياسية والعسكرية. وفي ظل غياب آليات سياسية موازية لتخفيف التصعيد، قد يدفع التصنيف اليمن إلى مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث تتصاعد المواجهات العسكرية بينما تنحسر فرص الحلول السياسية.
ثانياً: التداعيات الأمنية
محمد فوزي، خبير في الأمن الأقليمي
وقع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في يوم الأربعاء 22/01/2025م على أمر تنفيذي يقضي بإعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية، ويوجه الأمر التنفيذي وزير الخارجية الأمريكي بالتشاور مع آخرين، والتوصية بإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في غضون 30 يوماً، وبشكل عام يعد هذا القرار التنفيذي من "ترامب" أكثر صرامةً من التصنيف الذي وضعته إدارة "بايدن" للحوثي، كـ "تنظيم إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص"، وسوف يحمل هذا القرار على المستوى الأمني والعسكري العديد من التداعيات والتي يُمكن تناولها في ضوء التالي:
ثالثاً: التداعيات الإقتصادية
وفيق صالح -خبير اقتصادي بمركز اليمن والخليج للدراسات
يُمثل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية نقطة تحول حاسمة في مسار الأزمة اليمنية، لا سيما في الجانب الاقتصادي والمالي، والتي تعد أكثر الملفات ارتباطاً وتأثراً بهذه القرارات.
وفي هذه الورقة المختصرة سوف نوضح بشكل مبسط أوجه وتأثيرات هذا القرار على الوضع الاقتصادي، والمالي في البلاد بشكل عام.
القرار الأمريكي الذي يدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثين يوماً من تاريخ إصداره، يوم الثاني والعشرين من يناير 2025، من شأنه أن يفرض عزلة اقتصادية دولية على جماعة الحوثي، عبر تجميد الأصول التابعة لها وحظر التعاملات المالية والتجارية، وفرض عقوبات مشددة على أي أطراف خرى تتجاوز هذه العقوبات، كون تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، يجرم جميع أنواع التعاملات المالية أو الشخصية أو حتى تقديم الخبرات الفنية والتدريب أو المساعدة، والتي قد تشمل إجراء اتصالات مع الحوثيين أو أي أفراد من هذه الجماعة، من دون أي استثناءات.
وبالطبع فإن عقوبات بهذه الخطورة سوف تنعكس على ملفات محلية تتعلق بالجانب الاقتصادي، ومنها الإيرادات العامة والخاصة، والتي تشكل ركيزة مالية أساسية تقوم عليها استراتيجية الجماعة في بناء وترسيخ جذور نفوذها وسلطتها، حيث من المرجح أن تغلق أمام جماعة الحوثي، لاسيما ما يتعلق بالإيرادات المالية التي تجبيها من الموانئ البحرية، والرسوم الباهظة التي تفرضها غالباً بطريقة غير قانونية، على البنوك والمصارف والشركات التجارية، وضرائب كبار المكلفين، وما يتعلق بالتحويلات المالية الأجنبية للمنظمات الدولية، والمراسلات التجارية للبنوك.
وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية في اليمن بشكل عام، فإن هذه الخطوة، ستحدث العديد من الهزات العنيفة، والانعكاسات لدى المنظومة الحوثية، التي تفرض سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء وعددا من المحافظات الشمالية، حيث تُشكل التجارة الخارجية في الوقت الراهن، الركيزة الأساسية للاقتصاد اليمني، كما تعتمد بلادنا على آلية الاستيراد لتوفير معظم احتياجات السلع الضرورية والمواد الغذائية والاستهلاكية.
ومن المتوقع أن يصبح ملف التجارة الخارجية، عبر الموانئ التي تديرها جماعة الحوثي، أكثر القطاعات تأثراً إزاء العقوبات الأمريكية ومخاطر العزلة الاقتصادية، وذلك من خلال صعوبة وصول البنوك والمصارف في مناطق الحوثيين، إلى النظام المالي الدولي، وكذلك عزوف شركات الشحن البحري، من العبور إلى موانئ محافظة الحديدة، تفادياً للعقوبات الدولية، التي قد تتعرض لها بسبب التعامل مع جماعة مصنفة لدى الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية أجنبية.
تكمن تأثيرات العقوبات الدولية على جماعة الحوثي، لا سيما في الشأن الاقتصادي، بكون الاقتصاد اليمني مرتبط بشكل أساسي، بالتجارة الخارجية، والاعتماد على الأسواق الخارجية لتوفير مختلف الاحتياجات الضرورية والغذائية من السلع، إضافة إلى اعتماد سوق الصرف، على تحويلات النقد الأجنبي، المتأتي من قطاع المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية، وكذلك تحويلات المغتربين اليمنيين في المهجر.
تُجرد هذه الإجراءات جماعة الحوثي من المناورة، في الملف الاقتصادي، وتُضيق عليها المساحات من الاستثمار في مواردها العامة والخاصة، عدا عن محاولته الدائمة إضفاء صبغة شرعية، على اختطاف مؤسسات الدولة في مناطق سيطرتها، وإحكام القبضة الأمنية والقمعية تجاه مؤسسات القطاع الخاص ومنها القطاع البنكي، حيث تتواجد أغلب مقراته الرئيسية في صنعاء.
وفي ظل سريان قرار البيت الأبيض، فإن بقاء القطاع البنكي تحت التأثير المباشر لجماعة الحوثي، قد يضع أمامه العديد من القيود والعوائق، في الوصول إلى النظام المالي والدولي، وهو ما يضعف الشركات التجارية والمستوردين من الوصول إلى الأسواق العالمية لشراء السلع والمواد الغذائية والبضائع، ناهيك عن انخفاض وتراجع القدرة الائتمانية للبنوك، في تقديم الخدمات المالية والقروض للأفراد والمؤسسات العامة والخاصة.
إجمالاً فإن التبعات المتوقعة على جماعة الحوثي، على المستويين الاقتصادي والمالي، في هذا الشأن، سيعيدها إلى نقطة الصفر، وينزع منها المكاسب المالية الهائلة، التي قاتلت بشتى الوسائل، للحصول عليها، عبر مضييها خلال السنوات الفائتة، في بناء اقتصادها الخاص والمستقل، عن اقتصاد الجمهورية اليمنية، وممارسة فرع البنك المركزي بصنعاء، لمهامه كبنك مركزي، حيث عملت جماعة الحوثي من خلاله على استهداف العملة الوطنية في المحافظات المحررة، والتضييق على البنوك التجارية والمصارف الإسلامية، والدفع بها إلى حافة الإفلاس.
ومما لا شك فيه، فإن أخطر ورقة، يمكن أن تخسرها جماعة الحوثي، هي ورقة القطاع المصرفي، كون كافة البنوك والمصارف التي تتواجد مراكزها المالية بصنعاء، لن تتمكن بعد سريان تنفيذ القرار، من العمل مع فرع البنك المركزي بصنعاء، كون التعامل معه في هذه الحالة، يُعرض كافة المتعاملين، إلى مخاطر العقوبات عبر حظر التعاملات المالية، وتجميد الأصول الخارجية، وهذا ما يضع كافة مكونات القطاع البنكي والجهاز المصرفي الرسمي، أمام خيار وحيد وإجباري، لتفادي العزلة الدولية، وهو التنسيق التام مع إدارة البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دولياً، والالتزام الصارم بتعليمات وقوانين مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، وآليات المنظومة المالية الدولية.
بصورة عامة، فإن الإجراءات الصادرة عن الإدارة الأمريكية تجاه جماعة الحوثي في اليمن، تُعزز من دور وحضور البنك المركزي اليمني، ومقره بالعاصمة المؤقتة عدن، في ممارسة السياسة النقدية بشكل أوسع، عمًا كانت عليه الظروف خلال الفترات الماضية، وتساعده في استكمال الرقابة على النشاط المصرفي، خصوصاً فيما يتعلق بالمعاملات المالية والمراسلات التجارية للبنوك، على المستوى الخارجي، إذ أن حرص البنوك والمصارف على تفادي مخاطر العقوبات الدولية، والحفاظ على مركزها المالي، إلى جانب احتياجها الضروري لممارسة أنشطتها ومهامها على المستوى الدولي، سيدفعها إلى المسارعة للتنسيق مع البنك المركزي اليمني، في عدن، والعمل وفقاً لتعليماته وتوجيهاته في إطار السياسة النقدية.
أخيراً فإن الجزم باستفادة الحكومة الشرعية، وتعزيز نفوذها على الأرض، يبقى مرهوناً بالتحرك الحكومي عبر مختلف الأطر، والبناء على القرارات الأخيرة، لإعادة إصلاح المسار والتغلب على الاختلالات والتحديات، التي تحد من نفوذ وسلطة الحكومة الشرعية على أرض الواقع.
رابعاً: التداعيات الإنسانية
وليد الأبارة – رئيس مركز اليمن والخليج للدراسات
يُشكّل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية تطورًا هامًا في المشهد اليمني، لما يحمله من انعكاسات واسعة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية. ومن أبرز المجالات المتأثرة بهذا القرار قطاع العمل الإنساني، الذي بات عالقًا بين الحاجة إلى ضمان إيصال المساعدات للمحتاجين وبين القيود المفروضة على التعامل مع الحوثيين، الذين يسيطرون على مناطق واسعة من اليمن.
أهداف القرار وتأثيراته المحتملة
يهدف قرار إعادة تصنيف الحوثيين إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، تتراوح بين تقويض سيطرة الجماعة على العمل الإنساني، ووقف التدفقات المالية التي تستفيد منها، بالإضافة إلى الضغط على المنظمات الدولية للحد من تعاملها المباشر مع الحوثيين، مما قد يعيد تشكيل ديناميكيات تقديم المساعدات في البلاد.
1. تقويض السيطرة الحوثية على العمل الإنساني:
منذ توقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018 وإيقاف معركة الحديدة، تمكن الحوثيون من فرض هيمنتهم على العمليات الإنسانية، من خلال منح التصاريح للمنظمات، والإشراف على دخول المساعدات عبر ميناء الحديدة، والتحكم في آليات توزيعها، مما عزز من شرعيتهم كسلطة أمر واقع أمام المجتمع الدولي. في المقابل، اقتصر دور الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على منح التأشيرات للمنظمات والعاملين في المجال الإنساني والإعفاءات الجمركية، دون أن تتمكن من فرض سيطرتها على توزيع المساعدات.
قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية قد يحدّ من قدرتهم على توجيه العمل الإنساني واستغلاله لأغراض سياسية أو عسكرية، ويدعم جهود الحكومة اليمنية لاستعادة دورها السيادي في الإشراف على المساعدات، وهو ما تجلّى في دعواتها المتكررة لنقل مقرات المنظمات الدولية من صنعاء إلى عدن، وتشجيع التجار والمستوردين على استخدام الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
2. وقف تدفق المساعدات عبر البنوك في صنعاء:
خلال الفترة بين 2015 و2024، تلقت خطط الاستجابة الإنسانية التي تديرها الأمم المتحدة في اليمن نحو 38 مليار دولار، فيما قدّر البنك الدولي اقتصاد المساعدات في البلاد بما يتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار سنويًا. ورغم أهمية هذه المساعدات في إنقاذ ملايين اليمنيين، إلا أنها ساهمت أيضًا، بشكل غير مباشر، في إطالة أمد الصراع من خلال تعزيز الموارد المالية للحوثيين.
بموجب القرار الأمريكي، سيتم منع تدفق أموال المساعدات إلى البنوك الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما سيؤدي إلى:
3. الضغط على المنظمات لنقل عملياتها إلى عدن:
إدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب سيجبر العديد من الوكالات الإنسانية على إعادة النظر في طرق عملها داخل اليمن. وقد شهدنا بالفعل، في أعقاب قرار إدارة بايدن بإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب في يناير 2024، انتقال بعض المنظمات إلى العاصمة المؤقتة عدن، وهو اتجاه مرشح للتزايد مع تنفيذ القرار الجديد.
هذا التحول قد يحدّ من قدرة الحوثيين على الاستفادة من المساعدات، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى:
4. الحد من التعاون الإنساني مع الحوثيين:
خلال سنوات الصراع، قدمت بعض الدول والمنظمات برامج مساعدات إنسانية عبر مؤسسات حكومية تابعة للحوثيين، مثل الوزارات والصناديق الرسمية في صنعاء. لكن مع تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، ستتقلص إمكانية التعاون المباشر معها، مما سيؤثر على قدرة المؤسسات التابعة لها على إدارة المشاريع الإنسانية.
في المقابل، من المتوقع أن تلجأ الجماعة إلى التصعيد، سواء من خلال فرض مزيد من القيود على عمل المنظمات في مناطقها، أو حتى منعها من العمل بالكامل، مما قد يفاقم الأزمة الإنسانية ويضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ صعب.
تداعيات إنسانية مفتوحة على جميع الاحتمالات
بينما يسعى القرار الأمريكي إلى تقويض نفوذ الحوثيين ومنع استغلالهم للمساعدات، إلا أن تداعياته على السكان المدنيين قد تكون معقدة. فمن جهة، قد يؤدي منع تدفق المساعدات عبر الحوثيين إلى تحسين الرقابة وضمان وصولها لمستحقيها، لكنه قد يتسبب أيضًا في اضطرابات اقتصادية وإنسانية داخل مناطق الجماعة، مما قد يؤدي إلى:
• تصعيد الحوثيين لسياسات القمع الداخلي لمواجهة أي احتجاجات على تدهور الأوضاع المعيشية.
• إحراج الأمم المتحدة وإدارة ترامب في حال تفاقم الأزمة الإنسانية، مما قد يدفع نحو تخفيف القيود لاحقًا.
خاتمة
قرار إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يشكل نقطة تحول في مسار الصراع اليمني، حيث يحمل في طياته أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية متشابكة. وبينما قد يحدّ من قدرة الجماعة على استغلال العمل الإنساني، فإنه يضع أيضًا تحديات أمام المنظمات الإغاثية ويهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين. لذا، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن تنفيذ القرار بطريقة تضمن تحقيق أهدافه دون الإضرار بالملايين من اليمنيين المحتاجين؟
[1] White House. "FACT SHEET: President Donald J. Trump Re-designates the Houthis as a Foreign Terrorist Organization." January 22, 2025. https://www.whitehouse.gov/fact-sheets/2025/01/fact-sheet-president-donald-j-trump-re-designates-the-houthis-as-a-foreign-terrorist-organization/.
[2] صحيفة المسيرة. "صنعاء تضع ميزان الرد على مفاعيل قرار التصنيف الأمريكي: التصعيد بالتصعيد." العدد 2071، 26 يناير 2025، ص. 3.
[3] صحيفة الثورة. "صنعاء تفرج عن «153» من أسرى الطرف الآخر من جانب واحد في مبادرة إنسانية هي الثانية في أقل من عام وشملت حالات مرضية وجرحى وكبار سن." 26 يناير 2025. https://althawrah.ye/archives/949182.
[4] وزارة الخارجية الأمريكية. "الإفراج عن أفراد طاقم سفينة 'غالاكسي ليدر". بيان صحفي، مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية، 23 كانون الثاني/يناير 2025. https://www.state.gov/release-of-galaxy-leader-crew-members.
[5] اليمن، "رئيس وزراء اليمن يرد على أسئلة الانفصال والتطبيع ومساعي إنهاء الحوثي"، الحرة / خاص - واشنطن، 24 يناير 2025. https://tinyurl.com/289jjs9w
[6] بلقيس. "الحوثيون: إدراجنا ضمن المنظمات الإرهابية لا يخدم استقرار المنطقة." 23 يناير 2025. https://tinyurl.com/2dqzlk4m.
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات