تضع هجمات البحر الأحمر الاقتصاد العالمي، وحرية الملاحة الدولية، أمام تحديات جديدة، من شأنها مفاقمة أزمات سلاسل التوريد وإمدادات الطاقة الدولية، لا سيما مع موجات الأزمات السابقة التي عصفت بسلاسل الإمداد، جراء انتشار جائحة كورونا، واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.
وقد بدت ملامح هذه الأزمة واضحة من خلال تغيير مسار التجارة العالمية، واللجوء إلى خيارات أخرى وطرق بديلة عن البحر الأحمر وباب المندب، وهو خيار إجباري بالنسبة للعديد من دول العالم، لاستمرار وتيرة النشاط والنمو في الاقتصاد العالمي. بيد أن الجانب الخفي من الأزمة هو المخاطر المحتملة التي تواجه حركة تدفق السلع والشحن البحري إلى الموانئ المُشاطِئة للبحر الأحمر ومنها الموانئ اليمنية.
تداعيات رئيسية
تتمثل أبرز التداعيات التي تفرضها تلك الهجمات في:
خلاصة القول، إن كافة الاضطرابات التي تواجه سلاسل التوريد إلى اليمن، من خلال عزوف خطوط الشحن البحري عن العبور من باب المندب، وارتفاع أقساط التأمين على نقل البضائع والسلع، تؤثر بشدة على مستوى الأمن الغذائي في اليمن، في ظل ما تمثله واردات السلع الأساسية من ركائز صلبة تعمل على تأمين المخزون الغذائي خلال الوقت الراهن.
وفي ضوء اعتماد اليمن على المواد الغذائية المستوردة في تلبية نحو 90% من المتطلبات الوطنية من الغذاء، فسيكون لارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية أثر قوي على فاتورة واردات اليمن، وعلى قدرة ملايين اليمنيين على الحصول على الغذاء.
وسوف تؤدي الزيادات الحادة في الأسعار التي تسببت بها أزمات الشحن وسلاسل الإمداد، إلى تفاقم الضغوط على حسابات اليمن الخارجية واتساع فجوة انعدام الأمن الغذائي على حد سواء، خصوصاً مع حلول شهر رمضان، الذي ترتفع فيه فاتورة الاستيراد، نتيجة الطلب المتزايد على الاستهلاك في السوق المحلية.
وتعمل هذه الأزمات المستجدة، مع تراكم المعضلات الاقتصادية السابقة، على اتساع فجوة الأمن الغذائي، وانعدام سُبل الكسب، حيث تشير التوقعات إلى أن العديد من المحافظات اليمنية قد تواجه أسوأ حالات انعدام الأمن الغذائي الحاد في الأشهر المقبلة (7).
ويشير تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية خلال فبراير الماضي إلى أن ملايين الأشخاص في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" سيعيشون في مستوى حالة الطوارئ، وهي المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي، حيث ستعاني على الأقل أُسرة من كل خمس أُسر من نقص حاد في الغذاء يؤدي إلى سوء تغذية شديد أو ارتفاع في معدل الوفيات، أو ستخسر أصولها الحيوية التي قد تسبب نقصاً في الغذاء.
وخلال النصف الأول من عام 2023، استقبل ميناء الحديدة نحو مليوني طن من المواد الغذائية، تُشكل واردات القمح والدقيق 57% منها، في حين تشمل النسبة المتبقية منتجات غذائية أخرى مثل الأرز وزيت الطهي ومنتجات الألبان وغيرها(8).
وفي العام الذي سبقه، شكلت الواردات الواصلة عبر موانئ محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله"، 70% من إجمالي الواردات إلى اليمن، وهذا يعطي مؤشراً على أن الاضطرابات الجارية في البحر الأحمر وباب المندب تُهدد في المقام الأول بتوقف إمدادات السلع والشحن البحري إلى موانئ محافظة الحديدة.
هوامش:
(1) رئيس هيئة قناة السويس: تراجع إيرادات القناة 40 في المئة منذ بداية العام، سي إن إن، 12/1/2024، متاح على الرابط التالي:
https://2h.ae/Xcuv
(2) شركات التأمين البحري في لندن توسع منطقة المخاطر العالية في البحر الأحمر مع تصاعد الهجمات، رويترز، 18/12/2023، متاح على الرابط التالى:
https://2h.ae/Rozs
(3) الشحن البحري يصعِّد حرب الموانئ في اليمن، أخبار اليمن، 14/8/2023، متاح على الرابط التالى:
https://newsyemen.news/new/94184
(4) ارتفاع التأمين البحري: كيف سيؤثر على الملاحة التجارية الاسرائيلية وأسعار السلع؟، إحنا TV، 10/12/2023، متاح على الرابط التالي:
https://www.ehna.tv/articles/16343
(٥) Market & Trade Bulletin، Yemen، December 2023 – Issued on 31 January 2024
(6) نفس المرجع السابق.
(7) تحذيرات من انهيار المنظومتين الصحية والغذائية باليمن/ تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية خلال فبراير، الاتحاد، 4/2/2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.aletihad.ae/news/
(8) واردات الغذاء إلى ميناء الحديدة / تقرير منظمة الفاو، المشاهد نت، 27/7/2023، متاح على الرابط التالي:
https://almushahid.net/115889/
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات