الرئيسية تقديرات استهداف قيادات القاعدة في اليمن: هل تفتح الضربات الأمريكية أبواب التصعيد أم تضعف التنظيم؟
استهداف قيادات القاعدة في اليمن: هل تفتح الضربات الأمريكية أبواب التصعيد أم تضعف التنظيم؟
تقديرات إتجاهات أمنية

استهداف قيادات القاعدة في اليمن: هل تفتح الضربات الأمريكية أبواب التصعيد أم تضعف التنظيم؟

في ظلّ تصاعد الضربات الجوية الامريكية المُستهدفة لقيادات تنظيم القاعدة في اليمن، تتجدد التساؤلات حول مستقبل التنظيم الذي ظلَّ لسنوات أحد أبرز التهديدات الأمنية في المنطقة. فبين يناير ومارس 2025، أعلن تنظيم القاعدة عن مقتل عدد من قياداته البارزين، مثل "أبو علي الديسي" و"أبو صالح الديولي" "وأبو يوسف المحمدي"، والسعودي " أبي محمد المكي"، و " أيوب اللحجي"، ما دفع محللين إلى التنبؤ بتراجع نفوذ التنظيم. لكنَّ آخرين يحذرون من أن القاعدة قد ترد بعمليات انتقامية أكثر دموية، أو تعيد تشكيل تحالفاتها لتعويض خسائرها.

 

الاستهدافات
في الواحد والعشرين من يناير 2025، أصدر "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" بيانًا ينعي فيه مقتل القيادي البارز أبو علي الحضرمي، المكنى "بأبي علي الديسي" والقائد "أبو صالح الديولي"، واصفًا إياهما بـ" الشهداء الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الدفاع عن الإسلام ونصرة المسلمين. البيان، الذي جاء مليئًا بالعبارات الدينية والحماسية، استشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية لتأكيد مكانة الشهيدين ورفع معنويات أتباع التنظيم.

وفقًا لمصادر خاصة، يُعد اغتيال الديسي أبرز عملية استهداف لقيادي في القاعدة منذ مقتل أمير التنظيم الأسبق قاسم الريمي. وُصف الديسي بأنه أحد القادة البارزين الذين قاتلوا في العراق وسوريا قبل عودته إلى اليمن، حيث تقلّد مناصب رفيعة، أبرزها القائد العسكري ومسؤول الدعوة في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. تعرّض للسجن خلال حكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، لكنه فرّ عام (2011) مع  (63)من قيادات وعناصر التنظيم، ليستأنف نشاطه الجهادي بشكل أكثر تنظيماً وتأثيرًا.

وبعد أيام من بيان نعي الديسي، انفجرت عبوة ناسفة في محافظة مأرب، مستهدفة القيادي العسكري والدعوي البارز في التنظيم "أبو يوسف المحمدي"، والذي أكّد التنظيم مقتله لاحقًا في بيان رسمي صدر في 9 فبراير 2025.

وفي 22 يناير نعى تنظيم القاعدة في اليمن مقتل كلاً من " أيوب اللحجي " و " أبي محمد المكي " في غارتين منفصلتين بطائرات أمريكية في شبوة وأبين.


 
طبيعة الاستهدافات الجوية وآليات تتبع الأهداف

وفقًا للمعلومات، ركزت الغارات الجوية على استهداف:

  • تحركات عناصر التنظيم، من خلال متابعة تنقلاتهم ورصد طرق التهريب التي يستخدمونها.
  • القيادات الميدانية المؤثرة، حيث لوحظ أن كل المستهدفين كانوا يمتلكون هواتف محمولة أو معرفات رقمية على تطبيق “تليغرام”، مما يثير احتمال أن الاستهداف تم عبر تعقب الإشارات الرقمية.
  • نقاط التجمع والمواقع الحساسة، حيث تم تكثيف الرقابة الجوية على معاقل التنظيم في أبين وشبوة.

ردًا على هذه التطورات، قامت قيادة التنظيم باتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تضمنت سحب جميع الهواتف المحمولة من العناصر الميدانية، وإنشاء مواقع أمنية خاصة في مناطق سيطرتهم، بهدف الحد من احتمالات تعقبهم إلكترونيًا أو عبر الاستطلاع الجوي.

عودة التصعيد العسكري واستهداف قادة التنظيم
مطلع عام 2025، شهد تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الضربات الجوية التي استهدفت عناصر القاعدة في اليمن، مما يشير إلى عودة مكثفة للعمليات العسكرية ضد التنظيم، خاصة من قبل الطائرات الأمريكية المسيّرة. هذه العمليات جاءت كرد فعل مباشر على تصاعد نشاط التنظيم، لا سيما في محافظتي أبين وشبوة، حيث كثّف التنظيم هجماته بالطائرات المسيّرة ضد القوات الموالية للإمارات.
تشير المعلومات إلى أن القوات المحلية طلبت دعمًا جويًا لمواجهة القاعدة، وهو ما استجاب له الطيران الأمريكي بشكل مباشر. 

هذا التصعيد العسكري جاء بالتزامن مع تغييرات داخل التنظيم، حيث ساد الاعتقاد بأن تعيين سعد العولقي على رأس القيادة سيؤدي إلى تقليل العمليات، لكن العكس تمامًا حدث، إذ تصاعدت الهجمات ضد القوات المحلية، مما دفع الأخيرة إلى تبني استراتيجية أكثر عدوانية، شملت تكثيف الضربات الجوية والاستهداف الدقيق لقيادات التنظيم.

 

التحديات الأمنية التي يواجهها التنظيم بعد الضربات
وفقًا لمصادر، فإن عمليات القصف الأخيرة قيّدت تحركات العناصر بشكل كبير، وأدت إلى تغيير استراتيجيات العمل الميداني، مثل تقليل التجمعات العلنية، وتعزيز الأمن الداخلي لمنع عمليات التتبع والتجسس. كما تم اتخاذ تدابير وقائية مثل منع حمل الهواتف المحمولة وسحبها من العناصر الميدانية، خاصة في أبين وشبوة، وذلك لتقليل إمكانية التتبع الإلكتروني عبر إشارات الهواتف أو الحسابات الرقمية.

الضربة الأقوى التي تلقاها التنظيم كانت استهداف "أبو علي الديسي"، كونه كان العقل المدبر للحملات العسكرية، ولديه معرفة واسعة بجميع الخطط والتحركات. مقتله أدى إلى إرباك التنظيم بشكل ملحوظ، حيث أصبحت عملياته العسكرية أقل تنظيمًا، في حين انتشر الخوف بين العناصر الميدانية من عمليات استهداف جديدة.

 

رد فعل القاعدة: التصعيد أم إعادة التموضع؟
في ظل هذه التطورات، من المتوقع أن يسعى التنظيم إلى تنفيذ عمليات انتقامية ضد القوات اليمنية أو قوات التحالف، كرد فعل على مقتل قادته البارزين. وتشير مصادر مقربة من التنظيم إلى أنه قد يلجأ إلى تصعيد هجماته، سواء عبر تفجيرات أو هجمات بطائرات مسيّرة، لإثبات بقائه وقدرته على الرد.

كما يُتوقع أن يُجري التنظيم تغييرات على مستوى القيادة الميدانية، حيث قد يدفع العولقي بقادة أكثر جرأة، مثل “أبو الهيجاء الحديدي”، المعروف بجرأته في تنفيذ العمليات المباغتة، والتي قد تكون مكلفة، لكنها تتماشى مع عقلية التصعيد الانتقامي التي ينتهجها التنظيم في مثل هذه الظروف.

 

الخاتمة: هل نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع؟
الضربات الجوية الأخيرة وضعت تنظيم القاعدة في وضع دفاعي صعب، حيث بات تركيزه ينصب على البقاء وتأمين مواقعه، بدلًا من التخطيط لهجمات موسعة. ومع ذلك، فإن التنظيم لن يتوقف عن العمليات العسكرية، بل من المرجح أن يكثف نشاطه لإثبات قوته، خاصة مع استمرار تدفق الدعم العسكري له.

المعادلة اليوم تتمثل في سباق بين تصعيد التنظيم لعملياته، وبين استمرار الاستهداف الجوي لمراكزه وقياداته. وفي حال استمرت الضربات بنفس الوتيرة، فقد نشهد تحوّلًا كبيرًا في استراتيجيات القاعدة، سواء من حيث التموضع الجغرافي أو أساليب القتال، ما سيؤثر على مستقبل الصراع مع التنظيم في اليمن.
 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات