الرئيسية تقديرات تشابك المصالح: العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية
تشابك المصالح: العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية
تقديرات إتجاهات أمنية

تشابك المصالح: العلاقة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية

 

أقر مجلس الأمن بصحة التقارير والتكهنات التي تشير بوجود تنسيق بين جماعة الحوثيين وحركة الشباب الإرهابية في الصومال، إذ كشف عن محادثات جارية بين الجماعتين تدور حول تهريب الحوثيين لأسلحة متطورة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ أرض- جو إلى الشباب الصومالية بالإضافة إلى انتقال مقاتلين من حركة الشباب إلى اليمن للتدرب على كيفية استخدامها، الأمر الذي يعكس تطوراً نوعياً في تفكير الجماعات الجهادية، كما يكشف عن توسع شبكة الاتصال الإقليمية لجماعة الحوثيين، التي اكتسبت زخماً عالمياً منذ أن وسعت نشاطها في البحر الأحمر في إطار تضامنها مع غزة. 

 

عوامل مشتركة
كشف تقرير مجلس الأمن عن اليمن الصادر بتاريخ 11 أكتوبر 2024، عن تنامي العلاقة بين جماعة الحوثيين وحركة الشباب لاسيما منذ بداية 2024، واتفق التقرير مع ما أعلنته الاستخبارات الأمريكية في يونيو 2024، التي أضافت أن جماعة الحوثي تعمل على ترسيخ نفوذها في الصومال خلال الشهور الأخيرة، عن طريق استغلال تحالفها مع الجهات المحلية الفاعلة، بما في ذلك حركة الشباب وشبكات القراصنة الصوماليين، وخاصة في منطقتي بونتلاند وباري(1).
وفي محاولة لتشريح هذه الرابطة، يبدو أن الجماعتين المختلفتين مذهبياً وعقائدياً قررا تحييد عامل العقيدة، إذ تعتنق جماعة الحوثيين مذهب الشيعية الزيدية (الجارودية)، بينما تصنف الشباب الصومالية كحركة سلفية جهادية، وتنتهج مبدأ الامتناع عن التعاون مع غير المسلمين السنة، كما أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة في عام 2012، ومن ثم ساهمت المصلحة والمواقف المشتركة في بلورة رغبة حقيقية بين الجماعتين تدفع نحو توثيق العلاقات بينهما. 
وفي ضوء ما يجمعهما، فكلتا الجماعتين تدينان بالعداء للولايات المتحدة وإسرائيل، حيث احتفلت حركة الشباب بهجوم السابع من أكتوبر، كما دعت المسلمين إلى دعم قادة الهجوم ضد إسرائيل وحلفائها، واستغلت الشباب الصومالية هذا الهجوم للترويج لأفكارها كحركة إسلامية مستهدفة من قبل الغرب، وقارنت بين تعرض المدنيين الفلسطينيين للغارات الجوية الإسرائيلية وبين موقف المدنيين الصوماليين تحت وطأة الغارات الجوية الأمريكية بهدف كسب التعاطف، وهو الأمر الذي يتماهى مع موقف الحوثيين إزاء الحرب الدائرة في غزة، بل أنهم اتخذوا موقفاً أكثر حركية من خلال توجيه هجمات مباشرة إلى الأراضي الإسرائيلية، فضلاً عن تعرضهم إلى ضربات مستمرة من قبل القوات الأمريكية المشاركة في عملية حارس الازدهار. 
وتختلف جماعة الحوثيين من بين مختلف الجماعات المحلية بأنها أكثر تقبلا لتنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي مهد لتعاون الحوثيين مع حركة الشباب، حيث رصدت صحيفة التلغراف البريطانية في مايو 2024 أن العلاقات بين الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بلغت حد التعاون العسكري والاستخباراتي منذ عام 2022، كما أكدت أن الحوثيين زودوا تنظيم القاعدة بطائرات بدون طيار هجومية في عام 2023، ووفقًا للأمم المتحدة، فإن الطرفان اتفقا على وقف الصراع داخلياً كما ينسقان العمليات بشكل مباشر ضد الحكومة منذ أوائل عام 2024(2). 
وتعتبر المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ملاذاً آمنا لقيادات القاعدة، فعلى سبيل المثال، مثلت محافظات (صنعاء وإب وذمار) مقصد لعناصر القاعدة وأسرهم للعلاج والحصول على الخدمات الطبية، كما انخرطت الجماعتان في عدة صفقات لتبادل الأسرى، وتمكن هذه العلاقة الحوثيين من السيطرة على المزيد من الأراضي في اليمن، كما تسمح لهم بالوصول إلى بحر العرب وغرب المحيط الهندي، وفي المقابل توسع قدرة القاعدة على استعادة السيطرة على جنوب اليمن من المجلس الانتقالي الجنوبي(3).

 

أهداف التعاون بين الحوثيين والشباب
بطبيعة الحال هناك مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي ساهمت في تقريب المسافات بين الجماعتين على الرغم من الهوة الفكرية والتنظيمية بينهما، أبرزها: 


تموضع الحوثيين كجماعة عابرة للحدود:  أضاف تدخل الحوثيين لدعم غزة بعداً إقليمياً وعالمياً للجماعة، بموجب نفوذها المتنامي وقدرتها على تهديد حرية الملاحة في مضيق باب المندب وتحديها لجهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، أي أن حرب 7 أكتوبر قدمت للجماعة فرصة إعادة تقديم نفسها للمجتمع الدولي، وساعدها في ذلك شبكة متنوعة من التحالفات السياسية والموردين العسكريين وشبكات الدعم المالي، حيث تعمل روسيا على توسيع علاقاتها الاستراتيجية مع الحوثيين، كما تمكنت الجماعة من الحصول على تكنولوجيا صينية خاصة بصناعة الأسلحة، وهذه الشواهد دفعت الجماعة إلى الاعتقاد بضرورة تجاوز حدودها الجغرافية كجماعة محلية، والانتقال إلى الجانب الآخر من البحر الأحمر. 
وينخرط تعاون الحوثين مع حركة الشباب لأجل خدمة هدف الأولى في نشر نفوذها عبر الحدود، وتوسيع النطاق الجغرافي لتحالفاتها خارج الشرق الأوسط ليشمل منطقة القرن الأفريقي، وحذر مجلس الأمن من أنه نظراً لما حققته جماعة الحوثيين من تأثير واضح في محيط البحر الأحمر، تنامت طموحاتها العملياتية إلى ما هو أبعد من الأراضي الخاضعة لسيطرتها من خلال سلسلة من التحالفات التي يندرج ضمنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب الصومالية.


تعظيم مكاسب الحوثيين: نفذ الحوثيون أكثر من 100 هجوم ضد السفن التجارية والحربية التي تمر عبر مضيق باب المندب خلال الفترة منذ نوفمبر 2023 حتى منتصف ديسمبر 2024، وكنتيجة انخفض عدد السفن المارة من حوالي 2068 سفينة في نوفمبر 2023 إلى حوالي 877 سفينة في أكتوبر 2024، وفقًا لبيانات شركة لويدز ليست إنتليجنس للاستخبارات، مما يشير إلى نجاح الحوثيين في فرض حصار بحري على أحد أهم طرق التجارة العالمية، وإلى جانب المكاسب الاستراتيجية والسياسية التي حققتها جماعة الحوثيين جراء تهديدها لحركة التجارة وعبور السفن، لكن في الوقت ذاته يمدها هذا النشاط بنحو 180 مليون دولار شهريًا من رسوم العبور الآمن غير القانونية التي يدفعها وكلاء شحن لتأمين المرور عبر البحر الأحمر دون أن تتعرض للهجوم(4).
وتعمل التحالفات الاستراتيجية مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وحركة الشباب في الصومال على مضاعفة التهديد الذي يشكله الحوثيون في نقاط الاختناق الملاحية العالمية وتوسع قدرتهم على ضرب السفن، وكشف تحقيق لجنة خبراء الأمم المتحدة أن الحوثيين يستخدمون شبكات مختلفة من الأفراد والكيانات العاملة من مناطق متعددة، بما في ذلك جيبوتي وإيران والعراق وتركيا واليمن، لتمويل أنشطتهم، وتستخدم هذه الشركات بنوكًا مختلفة، وكيانات وهمية، وشركات صرافة، وشركات شحن، ووسطاء ماليين. 
وأشار تقرير الأمم المتحدة إن الحوثيين يقيمون الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات في البحر الأحمر من جهة الساحل الصومالي من أجل توسيع نطاق منطقة عملياتهم بالعمل مع حركة الشباب، مما يؤدي إلى تفاقم التهديد الحوثي للتجارة عبر البحر الأحمر، وبالتالي يزيد من تكاليف الشحن البحري ومن ثم تحقيق أكبر قدر من المكاسب.


دعم حركة الشباب: تكافح حركة الشباب الإرهابية في الفترة الأخيرة لأجل الحفاظ على تموضعها الميداني، فمنذ أغسطس 2022، شن الرئيس الصومال حسن شيخ محمود ضدها حربًا شاملة، وفي يونيو 2024، استعادت قوات الأمن قرى استراتيجية في منطقتي جوبا السفلى وشبيلي الوسطى من أيدي إرهابيي الشباب، مما مثل انتكاسة كبيرة للحركة باعتبار أن هذه القرى لعبت دورا رئيسيا كمراكز لتنسيق وتخطيط الهجمات، ولم تتمكن الحركة من الوصول إلى المحيط الهندي منذ أوائل عام 2023، عندما فقدت السيطرة على المدن الساحلية في منطقة غالمودوغ، وأيضا فقدت نفوذها العسكري في منطقة بونتلاند، وتحديدا جبال كال ميسكاد.


شكل يوضح مستوى العمليات وحجم المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الأمن الصومالية خلال الفترة من أغسطس 2022- أغسطس 2024.

Line Chart - Territorial gains by Somali government forces 1 August 2022 - 30 August 2024

Source: ALCED, 2024

وبينما تستمر الاشتباكات بين حركة الشباب وقوات الأمن، تعمل الحركة على تكثيف علاقتها مع أطراف خارجية وتأمين قنوات دعم جديدة بهدف الحصول على الأسلحة والتدريب على خبرات قتالية جديدة لأجل الحفاظ على مكاسبها الميدانية لاسيما وأن الاتحاد الأفريقي بصدد نشر بعثته الجديدة أوصوم لمكافحة الإرهاب، ومن هنا يأتي التعاون المفاجئ بين حركة الشباب والحوثيين إذ أن الأخيرة تتمتع بخبرة كبيرة في صناعة المسيرات والصواريخ أرض- جو التي تمثل أهمية كبيرة لحركة الشباب، وتطمح حركة الشباب من أن التعاون مع الحوثيين يمكنها من تقليص المكاسب الإقليمية التي حققها الجيش الصومالي على مدى العامين الماضيين.


تهريب السلاح للشباب: يعمل التفوق العسكري كأداة للحوثيين لتعميق علاقاتها الخارجية، كما أنه تحول لوسيلة للتجارة وجلب التمويل وليس فقط للاستخدام المحلي، حيث حققوا نجاحاً ملحوظاً في صناعة الأسلحة، وأسسوا خط إنتاج واسع النطاق للطائرات بدون طيار في عام 2018، ويمتلك الحوثيون ترسانة هائلة من الطائرات بدون طيار المسلحة، بما في ذلك  التي تعمل تحت الماء، وكذلك صواريخ باليستية قصيرة المدى، والألغام والصواريخ المضادة للسفن، ومنذ أكتوبر 2023، تطورت التكتيكات التي تستخدمها الجماعة لتشمل استخدام الطائرات بدون طيار للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فضلاً عن الهجمات المتفجرة أحادية الاتجاه، والصواريخ الباليستية مضادة للسفن والصواريخ هجومية برية. 
وتعاني حركة الشباب صعوبات الوصول إلى أسلحة، وصرح المبعوث الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، أن الحوثيين يزودون حركة الشباب بالأسلحة، كما ذكر تقرير خبراء الأمم المتحدة أن هناك زيادة ملحوظة في تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة بين الحوثيين وحركة الشباب، وأن كلتا الجماعتين تمتلكان أسلحة من نفس النماذج وبأرقام تسلسلية من نفس الدفعات مما يشير إما إلى توريد ونقل غير مشروع للأسلحة بينهما أو إلى وجود مورد مشترك، أو كليهما.
ومن خلال التعاون مع الحوثيين، يمكن لحركة الشباب الحصول على صواريخ وطائرات بدون طيار متطورة، كما تتوافر أدلة على أن الحوثيين أرسلوا 3 مهندسين إلى حركة الشباب في جنوب الصومال للمساعدة في تصنيع أسلحة وقنابل متطورة، وأعلنت الاستخبارات الأميركية أن الحوثيين وحركة الشباب ناقشا صفقة لتزويد الحوثيين بالأسلحة في يونيو 2024(5).  
وأكدت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (GITOC) في تقرير عام 2020 أن بعض الأسلحة التي حصلت عليها حركة الشباب من شبكة اليمن والصومال تأتي مباشرة من شحنات إيرانية إلى اليمن مخصصة للحوثيين(6). 


شكل  يوضح شبكة تهريب الأسلحة بين الصومال واليمن في خليج عدن

https://www.understandingwar.org/sites/default/files/20240613%20Somalia%20AF-GoASmuggling.png
المصدر: المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، 2021.


تنويع الشراكات:  استغلت جماعة الحوثيين الحرب بين إسرائيل وحماس، وأعادت إطلاق مشروعها كجماعة مناهضة للغرب، وساهم صعودها في تمييزها كشريك للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المعادية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص، توسعت العلاقات بين روسيا والحوثيين على مدار العام، وقام وفد من الحوثيين بزيارتين إلى روسيا للقاء ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية المسئول عن شئون الشرق الأوسط، وأرسلت روسيا عسكريين لتقديم المشورة للحوثيين في يوليو الماضي، كما تعمل على تسليح الحوثيين، وفي نوفمبر، ظهر مئات الرجال اليمنيين يحاربون إلى جوار القوات الروسية، حيث تعمل جماعة الحوثي على توريد مرتزقة يمنيين للقتال في أوكرانيا(7). 
وباستغلال المكانة الإقليمية التي اكتسبها الحوثيون نتيجة هجماتهم على السفن والأراضي الإسرائيلية، تستهدف الجماعة تنويع شركائها في التهريب والتمويل وتعميق تحالفاتها العسكرية، وفي مايو 2024، أعلن الحوثيون عن تنسيق العمليات العسكرية مع المقاومة الإسلامية في العراق، بالإضافة إلى تحالفهم مع الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس)، وحزب الله، ويوفر اتفاق بيع بعض الأسلحة لحركة الشباب للتمويل اللازم للحوثيين لحل مشاكلهم الداخلية ودفع رواتب مؤيديهم، أي تأمين قنوات متعددة لتوريد الأسلحة، وبالتالي تأمين عائدات جديدة خارج إيران لتمويل الحرب في اليمن وخارجها.
وختاما، تؤكد العلاقة بين حركة الشباب والحوثيين على السردية القائلة بأن التنظيمات الجهادية والمتطرفة تكيف أيدولوجيتها وفقا للموقف والمصلحة، وعلى الرغم من أن العلاقة بينهما ما زالت في مراحلها الأولى، لكنها تشكل تهديدا خطيرا بالنسبة لديناميكيات الأمن الإقليمي في محيط البحر الأحمر ودول شرق أفريقيا، فمن الممكن أن تعرض قوات الحكومة الصومالية للخطر وتقلب موازين القوى لصالح حركة الشباب، كما تشكل خطرا على أمن إثيوبيا وكينيا، فضلا عن أنها تعمل على تنشيط عمليات القرصنة على طول ممرات الشحن في البحر الأحمر والمحيط الهندي، كما تعمل على ترسيخ مكانة الحوثيين كمورد أسلحة للتنظيمات المحلية والجهادية. 


(1) Security Council, Letter dated 11 October 2024 from the Panel of Experts on Yemen addressed to the President of the Security Council, P.12.
(2) Ali Mohammed, Houthis team up with feared Al-Qaeda branch in new threat to Yemen, The Telegraph, May 4, 2024, available on https://tinyurl.com/3e3nkuuh 
(3) Security Council, Letter dated 29 March 2021 from the Permanent Representative of Yemen to the United Nations addressed to the President of the Security Council, P.14. 
(4) Noam Raydan, Farzin Nadimi, Houthi Shipping Attacks: Patterns and Expectations for 2025, Washington Institute, Dec 16, 2024. Available on https://tinyurl.com/54brd4jv 
(5) Katie Bo Lillis, Kylie Atwood and Natasha Bertrand, US intelligence assesses Houthis in Yemen in talks to provide weapons to al-Shabaab in Somalia, officials say, CNN, June 11, 2024. Available on https://tinyurl.com/ca9ddsb2 
(6) Global Initiative Against Transnational Organized Crime, Iranian fingerprint?, 2021, P.30. 
(7) Russia recruits Yemeni mercenaries to fight in Ukraine, Financial Times, Nov 23, 2024. Available on https://tinyurl.com/4jxks9ac

 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات