الرئيسية تقديرات أبعاد ومسارات تصاعد المواجهات بين الحوثيين وإسرائيل
تقديرات إتجاهات أمنية

أبعاد ومسارات تصاعد المواجهات بين الحوثيين وإسرائيل

شهدت الأيام الماضية تحولاً نوعياً في وتيرة التصعيد بين الحوثيين من جانب والاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، وكان الملاحظ بشكل رئيسي أن الطرفان انتقلا من القواعد التي كانت حاكمة للاشتباك الدائر بينهما من نوفمبر 2023، إلى مرحلة أخرى أكثر تصعيداً، يغلب عليها نمط المواجهة المباشرة، وليس الاعتماد على سياسات الحلفاء في مواجهة الحوثيين، كما في حالة إسرائيل، أو الاعتماد على العمليات الغير مباشرة التي كانت تتم في البحر الأحمر، أو مناطق الأطراف الإسرائيلية، كما في حالة الحوثيين، ويطرح هذا التحول في مسار التصعيد بين الجانبين تساؤلات مهمة بخصوص دلالاته ومآلاته على مستوى المواجهة بينهما على المدى القريب والمتوسط، وتداعياته على مستوى التصعيد في المنطقة بشكل عام، خصوصاً وأنه يأتي في سياق يشهد استمراراً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة للشهر العاشر، ومؤشرات متنامية فيما يتعلق باحتمالية شن إسرائيل حرب موسعة على حزب الله اللبناني شمال الأراضي المحتلة.
مؤشرات التحول في مسار التصعيد بين الحوثي وإسرائيل
انتقل التصعيد بين الحوثيين من جانب وإسرائيل من جانب آخر في الأيام الماضية إلى مرحلة أكثر خطورة، اعتمدت بشكل رئيسي على "المواجهة المباشرة" وفي العمق بالنسبة لهما، ويمكن تناول أبرز مؤشرات هذا التحول في مسار التصعيد، وذلك على النحو التالي:

  1. استهداف الحوثيين لتل أبيب: أعلن الحوثيون في 19 يوليو 2024، عن استهداف تل أبيب، ووفقاً لتقارير فقد استهدفت الميليشيا اليمنية تل أبيب عبر إطلاق صاروخ باليستي و4 مسيرات، وقد تم إسقاط صاروخ باليستي و3 مسيرات والرابعة وصلت إلى تل أبيب، مما أدى إلى مقتل أحد الأشخاص وإصابة نحو 7 آخرين، وكان الحوثيون قد أعلنوا عبر المتحدث العسكري باسمهم يحيى سريع، أن العملية تمت عبر طائرة مسيرة جديدة تم تطويرها وتحمل اسم "يافا"، وقد رجحت بعض التقديرات العسكرية أن تكون الطائرة المسيرة التي تم استخدامها في الهجوم هي نسخة مطورة من المسيرة "صماد 3"، وهي المسيرة التي تم الإعلان عنها في 2018، وتم استخدامها للمرة الأولى في 2019، وهي مسيرة يبلغ مداها ما بين 1500 إلى 1700 كم. 
  2. هجمات إسرائيلية مباشرة على ميناء الحديدة: بدوره وفي إطار رد الفعل على الهجوم الحوثي الأخير، شن الاحتلال الإسرائيلي عبر طائراته المقاتلة غارات جوية مركزة على ميناء الحديدة اليمني المطل على البحر الأحمر في 20 يوليو، حيث تم استهداف البنية التحتية للطاقة، إذ تمت مهاجمة حوالي 20 منشأة تخزين للوقود، معظمها داخل مجمع الميناء وبعض منشآت التخزين التي وضعها الحوثيون بالقرب من الميناء، كذلك تم استهداف قدرات تفريغ البضائع في الميناء، حيث استهدفت إسرائيل عمداً رافعات وظيفتها تفريغ البضائع من السفن إلى الرصيف، وأسفر الهجوم الإسرائيلي وفق بعض التقارير عن مقتل وإصابة نحو 80 شخصاً.
    وعقب الهجوم قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري  إن الميناء الذي هاجمه الطيران الإسرائيلي يُستخدم كـ "طريق إمداد رئيسي لإيصال الأسلحة الإيرانية من إيران إلى اليمن، بما في ذلك الطائرة المُسَيّرة التي استُخدمت في الهجوم الأخير في تل أبيب"، ما يعكس أن إسرائيل وعبر تصريحاتها الرسمية فضلاً عن وسائل إعلامها حرصت على التسويق لهذه الضربة باعتبارها "رداً على الاستهداف الحوثي الأخير للعمق الإسرائيلي وتل أبيب"، وهي سردية تتفق ومساعي إسرائيل تجنب التصعيد الإقليمي الواسع في اللحظة الراهنة التي تشهد حالة من عدم الحسم على مستوى جبهتي غزة ولبنان.
  3. سعي الحوثيين للرد على الهجوم الإسرائيلي: عقب الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة، أعلن الحوثيون عن تنفيذ عملية نوعية استهدفت إيلات وذلك عبر عدد من الصواريخ الباليستية، وفي سياق متصل وفي الساعات الأولى من صباح 21 يوليو 2024، أفادت وسائل إعلام عبرية  بسماع دوي انفجار في منطقة حيفا، وقد ربطت بعض وسائل الإعلام العبرية مثل "يسرائيل هيوم" بين هذه الانفجارات وبين توعد الحوثيين بالرد على الاستهداف الإسرائيلي الأخير والذي طال ميناء الحديدة، وعلى وقع ذلك أعلنت السلطات الإسرائيلية عن فتح تحقيق في أسباب هذه الانفجارات. 

دلالات التحول في التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل
حمل التصعيد الإسرائيلي الحوثي الأخير مجموعة من الدلالات المهمة، خصوصاً على مستوى الانتقال إلى مرحلة المواجهات المباشرة بين الجانبين، ويمكن إبراز دلالات هذا التصعيد، وذلك على النحو التالي:

  1. تجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها: أحد الدلالات الرئيسية التي يحملها التصعيد الحوثي الإسرائيلي الأخير وما شهده من تحولات، يرتبط بشكل رئيسي بتجاوز قواعد الاشتباك التقليدية التي كانت سائدة منذ نوفمبر 2023 (تاريخ انخراط الحوثيين في التصعيد)، وذلك على أكثر من مستوى، أولها انتقال الطرفان إلى مرحلة الاستهداف المباشر فبعد أن كانت إسرائيل تعتمد على عمليات الحلفاء ضد إسرائيل، وبعد أن كان الحوثيون يعتمدون بشكل رئيسي على عمليات البحر الأحمر واستهداف الأطراف الإسرائيلية، انتقل الجانبان إلى مرحلة تنفيذ عمليات نوعية في العمق الاستراتيجي لكلاً منهما، وثانيها أن الطرفان ومن خلال التصريحات الرسمية لهما، يبدو أنهما متوقفان عند نقطة رفع سقف الاشتباكات والتصعيد، مع ضمان عدم التحول إلى مرحلة حرب الاستنزاف المفتوحة، استناداً إلى اعتبارات إقليمية وداخلية خاصة بهما. 
  2. سعي إسرائيل لحفظ ماء الوجه: وضع الهجوم الحوثي الأخير حكومة بنيامين نتنياهو في حرج كبير أمام الداخل الإسرائيلي، خصوصاً مع عجز الدفاعات الجوية والرادارات الإسرائيلية، على رصد الهجوم والتعامل معه، وفي هذا السياق يوجد مجموعة من الاعتبارات المهمة التي يمكن في ضوئها قراءة رد الفعل الإسرائيلي، أولها أن الهجوم الإسرائيلي استهدف بشكل رئيسي استعادة الردع المفقود تجاه الحوثيين، وهو التراجع الذي دفع الحوثيين إلى الإقدام على استهداف تل أبيب والعمق الإسرائيلي، على عكس النمط السائد والذي كان يركز على استهداف الجنوب الإسرائيلي ومناطق الأطراف خصوصاً إيلات، وثانيها أن طبيعة الهدف الذي هاجمته إسرائيل لا يعد استراتيجياً على نحو متكامل من المنظور العسكري، ما جعل العملية أقرب إلى العمليات الاستعراضية، وهو أمر يمكن تفهمه في ضوء حرص إسرائيل على عدم الدخول في حرب استنزاف مفتوحة مع الحوثيين خصوصاً مع الضغوط الأمريكية لتجنب ذلك، بالإضافة للانشغال الإسرائيلي بجبهتي غزة ولبنان، وثالثها أن إسرائيل حتى وإن كانت متحفظة نسبياً على مسألة تحويل جبهة الحوثيين إلى حرب مفتوحة، إلا أنها يمكنها المخاطرة بذلك، ويتجسد ذلك بشكل واضح في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بخصوص إمكانية إشعال النار في الشرق الأوسط ككل، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هناك مصلحة شخصية سياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي في إطالة حرب غزة بل وفتح جبهات جديدة.
  3. رسائل سياسية مهمة بالنسبة للحوثيين: عبر الاستهداف الحوثي الأخير لتل أبيب عن مجموعة من الرسائل المهمة التي أراد التنظيم إيصالها، أولها أن التنظيم يملك قدرات عسكرية تجعله قادراً ليس فقط على استهداف موانئ ومدن الساحل الإسرائيلي، بل والعمق الإسرائيلي كذلك، وثانيها أن التنظيم أراد زيادة الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً في ضوء تنامي الانتقادات من الداخل الإسرائيلي لنتنياهو واتهامه بالفشل في إدارة الحرب الجارية، وثالثها أن التنظيم مستمر في تحركاته الرامية إلى إثبات الوجود على المسرح الإقليمي، وتعزيز قيمته النسبية لدى الراعي الإيراني.

حدود واتجاهات التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل
يمكن القول إنه في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها مسار التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل، فإننا قد نكون أمام سيناريوهين رئيسيين في هذا الإطار:

  1. اندلاع حرب استنزاف مفتوحة بين الجانبين: يفترض هذا السيناريو تجاوز قواعد الاشتباك المعمول بها بين الحوثيين وإسرائيل منذ نوفمبر 2023، بشكل متكرر وربما يومي، بمعنى تنفيذ عمليات في العمق الاستراتيجي للجانبين بشكل متكرر، سواءً على مستوى إقدام الحوثي على استهداف العمق الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أن إسرائيل سوف تتخذ إجراءات احترازية متنامية للتعامل مع مثل هذه الهجمات، أو على مستوى الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمناطق سيطرة الحوثيين، ويظل التحول نحو هذا السيناريو مرتبطاً بمجموعة من المحددات الرئيسية، أولها مآلات المفاوضات الجارية بخصوص وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وثانيها المسارات المحتملة بخصوص اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وثالثها المقاربة الإيرانية للتعامل مع التطورات الراهنة.
  2. الحفاظ على وتيرة التصعيد عن مستواها التقليدي: يفترض هذا السيناريو عدم التحول نحو حرب استنزاف مفتوحة مع الإبقاء على قواعد الاشتباك المعمول بها، متمثلةً في استمرار استهداف الحوثيين للمدن الساحلية الإسرائيلية، مع تنامي وتيرة الهجمات البريطانية الأمريكية ضد الحوثيين، ويدعم هذا السيناريو مجموعة من الاعتبارات الرئيسية، أولها وجود ضغوط أمريكية كبيرة لمنع تصاعد وتيرة المواجهات في المنطقة، استناداً إلى حسابات داخلية مرتبطة بقرب عقد الانتخابات، وبعض الحسابات الإقليمية الخاصة بواشنطن، وثانيها أن هناك ما يشبه الإرادة المشتركة لدى الحوثيين وإسرائيل لتجنب التحول نحو سيناريو الحرب الاستنزافية المفتوحة.

وفي المجمل يمكن القول إن المسارات المقبلة للتصعيد الحوثي الإسرائيلي، سوف تكون مرتبطة بشكل كبير بمجموعة من المحددات الرئيسية أولها مآلات الحرب الجارية في غزة والممتدة منذ 10 أشهر، ومصير المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار، وثانيها المسارات المحتملة بخصوص جبهة الشمال المحتل، خصوصاً مع وجود تأكيدات على استعداد "نتنياهو" على قدم وساق لشن عملية واسعة ضد حزب الله، وثالثها مكامن التوتر الإيراني الإسرائيلي ومساراته خصوصاً مع تجاوزه لمسألة الوكلاء الإيرانيين وتصعيدهم ليشمل الملف النووي.

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات