US Strikes Against Houthis: A Shift in the Balance of Power in Yemen?
في خضم الاستهداف العسكري الأمريكي المتواصل للحوثيين، حيث تتعرض مواقعهم لغارات عسكرية مكثفة، برزت زيارة عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي السابق المعروف بعلاقاته الوثيقة مع إيران، إلى صنعاء كحدث استثنائي يحمل في طياته رسائل متعددة الأبعاد. هذه الزيارة، التي أعلن عنها الحوثيون بشكل صريح ودون مواربة، لا يمكن اعتبارها حدثاً عادياً في ظل الظروف الراهنة، بل تشكل نقطة بالغة الدلالة في المشهد اليمني والإقليمي.
يطرح الإعلان عن هذه الزيارة تساؤلات جوهرية حول توقيتها وأهدافها ودلالاتها، خاصة أنها تأتي في ذروة تصعيد عسكري غير مسبوق ضد الحوثيين. فما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الزيارة؟ وهل تحمل في طياتها بوادر تسوية سياسية قادمة؟ وما مدى ارتباطها بالصراع الأوسع بين واشنطن وطهران؟
التوقيت والظروف: رسائل متعددة الاتجاهات
اختيار هذا التوقيت للزيارة لم يكن عشوائياً بأي حال من الأحوال. فوصول شخصية بحجم عبد المهدي إلى صنعاء المستهدفة عسكرياً يحمل رسائل متناقضة ظاهرياً لكنها متكاملة في جوهرها. من جهة، يرغب الحوثيون في إظهار أنهم ليسوا في عزلة دولية رغم الضربات المتواصلة، ومن جهة أخرى، يلمحون إلى وجود قنوات خلفية مفتوحة للتفاوض حتى في خضم العمليات العسكرية.
الإعلان الصريح عن الزيارة من جانب الحوثيين يعكس استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف. أولاً، تأكيد استمرار العلاقة القوية مع محور إيران رغم كل الضغوط الدولية، وهو ما يعزز موقفهم أمام قواعدهم الشعبية ويرفع معنويات مقاتليهم. ثانياً، توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها مفادها أن الغارات الجوية لم تؤد إلى عزلهم سياسياً، بل إنهم لا يزالون قادرين على استقبال شخصيات سياسية وازنة في معقلهم. ثالثاً، الإشارة إلى وجود مساحة للمناورة السياسية لم تقضِ عليها الغارات الأمريكية، وأنهم جاهزون للانخراط في أي مبادرات دبلوماسية تحترم مكانتهم كطرف مهيمن في المعادلة اليمنية.
كما أن توقيت الزيارة يتزامن مع تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية الصراع في غزة، مما يعزز فرضية وجود محاولات لضبط إيقاع التصعيد الإقليمي ومنع تحوله إلى مواجهة شاملة لا يمكن السيطرة عليها. وربما تكون الزيارة إشارة إلى أن إيران، رغم دعمها للحوثيين، تسعى إلى ضبط تحركاتهم ضمن حدود معينة لا تؤدي إلى تأجيج الصراع بشكل يهدد مصالحها الاستراتيجية.
عُمان: إنذار أخير أم طوق نجاه؟
لطالما لعبت سلطنة عُمان دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، إلا أن موقعها في الأزمة اليمنية يتجاوز الحياد التقليدي، حيث ترتبط مسقط بعلاقات معقدة مع مختلف الأطراف، وتمارس دوراً مزدوجاً يجمع بين الوساطة والانخراط غير المباشر في اللعبة السياسية.
تبرز سلطنة عُمان كلاعب محوري في ترتيب هذه الزيارة وتسهيلها، فمسقط معروفة بسياستها المتوازنة وعلاقاتها الجيدة مع جميع الأطراف المتصارعة في المنطقة وبالتحديد الحوثيين. لطالما لعبت عُمان دور الوسيط في العديد من الأزمات الإقليمية، وتمكنت من الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع واشنطن وطهران والرياض وصنعاء في آن واحد.
العوامل التي تعزز دور عمان في هذا السياق متعددة ومتشابكة. أولاً، تتمتع السلطنة بعلاقات متميزة مع الحوثيين لم تتأثر بالصراع الدائر في اليمن، حيث لم تشارك عُمان في التحالف العربي ضدهم، واستمرت في التعامل معهم كطرف سياسي له وزنه. ثانياً، تحافظ مسقط على علاقات استراتيجية مع إيران رغم الضغوط الإقليمية والدولية، مما يجعلها قناة اتصال موثوقة بين طهران وأي طرف آخر. ثالثاً، تتمتع عُمان بثقة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سبق وأن استضافت محادثات سرية بين الجانبين الأمريكي والإيراني أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015.
القرب الجغرافي بين عُمان واليمن يتيح لمسقط لعب دور لوجستي هام في تسهيل مثل هذه الزيارات، خاصة في ظل الحصار المفروض على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويمكن القول إن الممر الآمن الذي سلكه عبد المهدي للوصول إلى صنعاء قد يكون عبر الأراضي العمانية أو بتنسيق مباشر من السلطنة، مما يعكس دورها المحوري في الدبلوماسية الإقليمية الخفية.
هذا الدور العماني المتنامي في الأزمة اليمنية يعكس استراتيجية مسقط في تعزيز مكانتها كوسيط إقليمي موثوق، وربما يمهد الطريق لمبادرة عمانية جديدة تفضي لضبط إيقاع الصراع، خاصة بعد فشل المبادرات السابقة.
ما وراء الزيارة: مؤشرات على تحركات دبلوماسية أوسع
تتجاوز دلالات زيارة عبد المهدي حدود الملف اليمني لتشمل العلاقات الإقليمية والدولية الأوسع، وهناك العديد من المؤشرات التي تدعم هذه الفرضية وتكشف عن تحركات دبلوماسية خفية تجري بعيداً عن الأضواء.
أولاً، هناك الموقف الأمريكي المثير للاهتمام، فرغم الغارات المكثفة التي تشنها واشنطن على مواقع الحوثيين، فإن تصريحات المسؤولين الأمريكيين أكدت مراراً أن هذه الضربات "لا تستهدف تغيير النظام" في صنعاء. هذا التصريح في حد ذاته يحمل إشارة ضمنية إلى وجود مساحة للتفاوض، وأن الهدف من التصعيد العسكري قد يكون الضغط على الحوثيين لدفعهم الى إيقاف الهجمات في البحر الأحمر وليس تدميرهم بالكامل.
ثانياً، كان رد فعل الحوثيين على الغارات الأمريكية محسوباً بشكل لافت. فرغم التصريحات النارية والتهديدات المتكررة بالرد، فإن حجم ونوعية العمليات التي نفذتها الجماعة بعد الضربات الأمريكية لم تصل إلى مستوى يقطع الطريق على المساعي الدبلوماسية. هذا الحذر في التصعيد قد يكون مؤشراً على وجود توجيهات من طهران بضبط النفس والإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة.
ثالثاً، يلفت الانتباه الصمت الملحوظ من جانب الأطراف الإقليمية المعنية مباشرة بالأزمة اليمنية، كالسعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إزاء زيارة عبد المهدي. هذا الصمت غير المبرر قد يكون دليلاً على وجود ترتيبات إقليمية غير معلنة، أو أن هذه الأطراف ليست على دراية كاملة بكل تفاصيل التحركات الدبلوماسية الجارية.
رابعاً، تتزامن الزيارة مع تصاعد وتيرة التحركات الدبلوماسية في المنطقة، سواء فيما يتعلق بالملف اليمني أو الملفات الإقليمية الأخرى. هذا التزامن ليس محض صدفة، بل يشير إلى وجود جهود متعددة الأطراف لإيجاد صيغة توافقية تحد من التصعيد وتؤسس لترتيبات جديدة في المنطقة.
كل هذه المؤشرات تدعم فرضية أن زيارة عبد المهدي هي جزء من لعبة دبلوماسية معقدة تجري خلف الكواليس، وأن هناك قنوات تفاوض مفتوحة رغم التصعيد العسكري الظاهر. وقد تكون هذه الزيارة مجرد البداية لسلسلة تحركات دبلوماسية ستتكشف تدريجياً في الأسابيع والأشهر القادمة.
عبد المهدي: رجل المهام الخاصة بين بغداد وطهران
لا يمكن فهم دلالات الزيارة دون التطرق إلى شخصية عادل عبد المهدي، الذي لم يكن مجرد رئيس وزراء عراقي سابق، بل شخصية سياسية تمتلك علاقات معقدة تمتد بين طهران وواشنطن والعواصم الإقليمية.
يتمتع عبد المهدي بتاريخ طويل في الدوائر السياسية المرتبطة بالمحور الإيراني، لكنه في الوقت ذاته كان جزءاً من المشهد السياسي العراقي الذي حاول التوازن بين واشنطن وطهران. ولعب دوراً بارزاً في تأسيس الحشد الشعبي العراقي، وهي قوة مليشاوية ذات صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، ما جعله شخصية مثيرة للجدل في الأوساط الغربية.
اختيار عبد المهدي للقيام بهذه الزيارة لم يكن اعتباطياً، فهو يتمتع بمصداقية لدى الحوثيين والإيرانيين على حد سواء، كما أن خبرته في الملفات الإقليمية، خاصة ما يتعلق بالنفط والطاقة، تجعله قادراً على التعامل مع الأبعاد الاقتصادية للصراع في البحر الأحمر، وليس فقط الجوانب العسكرية والسياسية.
كما أن انتماءه "الشيعي" يجعله أكثر قبولاً لدى الحوثيين، الذين ينتمون إلى ذات المذهب، وهو ما يتيح له مساحة للتحرك داخل صنعاء ونقل الرسائل بين أطراف الصراع.
وختاما، تمثل زيارة عبد المهدي إلى صنعاء تطوراً لافتاً في المشهد اليمني، حيث تعكس استمرار فاعلية القنوات الدبلوماسية غير الرسمية حتى في ظل التصعيد العسكري. كما تؤكد أن الأطراف المنخرطة في الصراع، رغم خطاباتها الحادة، لا تزال منفتحة على ترتيبات سياسية تضمن لها تحقيق مكاسب استراتيجية.
في هذا السياق، قد تكون الزيارة مؤشراً على أن هناك جهوداً لإعادة ضبط إيقاع الصراع، سواء من خلال رسائل موجهة إلى واشنطن بأن الضغط العسكري لن يؤدي إلى عزل الحوثيين، أو كجزء من محاولات إيران لترتيب أوراقها في المنطقة في ظل الضغوط المتزايدة عليها.
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات