هل تنجح واشنطن في وقف عمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيين نهائياً؟
ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تواصل شن عمليات عسكرية ضد المواقع التابعة لحركة "أنصار الله" الحوثية في اليمن، بالتعاون مع بعض الدول الأخرى، لاسيما بريطانيا. لكن اللافت في هذا السياق، أن هذه العمليات، التي بدأت منذ 12 يناير الفائت (2024) وما زالت مستمرة حتى الآن، لم تنجح في وقف الهجمات التي تشنها الحركة في البحر الأحمر، منذ 19 نوفمبر الماضي (2023).
ومن هنا، بدأت واشنطن في اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تهدف من خلالها إلى دفع الحركة لوقف هجماتها في البحر الأحمر، وفي مقدمتها إعادة تصنيف الأخيرة كـ"منظمة إرهابية عالمية"، في 17 يناير الفائت، وفرض مزيد من القيود على عمليات تهريب الأسلحة، التي تؤكد واشنطن أن مصدرها إيران.
وكانت آخر إجراءاتها في هذا الصدد في 15 فبراير الجاري، عندما أعلنت القيادة العسكرية المركزية الأمريكية أن سفينة من خفر السواحل الأمريكي في بحر العرب صادرت، في 28 يناير الفائت، شحنة أسلحة متجهة من إيران إلى مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن.
وعلى خلفية ذلك، وجّهت وزارة العدل الأمريكية، في 23 فبراير الجاري، اتهامات جنائية إلى أربعة أشخاص يحملون بطاقات هوية باكستانية، وتتعلق هذه الاتهامات بـ"نقل رأس حربي على متن مركب شراعي وعن قصد وبشكل غير قانوني لاستخدامه من قبل الحوثيين في مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وتقديم معلومات كاذبة إلى سلطة خفر السواحل الأمريكي أثناء الصعود على متن المركب فيما يتعلق بطاقم السفينة وبضائعها"، حيث يمكن أن يتعرض هؤلاء الأشخاص، في حالة ثبوت تلك الاتهامات، للسجن لمدد تتراوح بين 5 و20 عاماً.
ورغم أن هذه الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية لا تعبر عن توجه جديد تتبناه الأخيرة، التي سبق أن أعلنت، في فترات سابقة، عن ضبط شحنات من الأسلحة كانت متجهة من إيران إلى اليمن، إلا أن ما أكسبها مزيداً من الأهمية والزخم هو السياق الزمني الذي جرت فيه.
فقد جاءت هذه الإجراءات في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة، وإيران والمليشيات المسلحة الموجودة في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن من جهة أخرى، على خلفية الحرب التي تشنها تل أبيب داخل قطاع غزة، منذ قيام كتائب القسام- الذراع العسكرية لحركة حماس- بشن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.
كما أنها، وربما يكون هذا هو الأهم، جاءت في وقت تنخرط فيه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر في التصعيد العسكري مع حركة "أنصار الله" الحوثية، في حين أن عمليات ضبط شحنات الأسلحة السابقة جاءت في سياق الصراع العسكري الداخلي في اليمن، والذي لم تتخذ خلاله واشنطن إجراءات قوية لردع الحركة- التي تتهم من جانب المجتمع الدولي بالاستيلاء على السلطة والانقلاب على الشرعية الدستورية- عن مواصلة عملياتها العسكرية داخل اليمن وخارجها.
وهنا، فإن هذا التغير الملحوظ في السياسة الأمريكية تجاه ما يحدث في البحر الأحمر- وليس في اليمن- يطرح سؤالين رئيسيين: الأول، هل باتت الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى سياسة مستقرة إزاء ما يجري في تلك المنطقة التي تحظى باهتمام إقليمي ودولي خاص نتيجة لموقعها الاستراتيجي الهام؟. والثاني، هل لدى واشنطن الرغبة في التصدي بجدية لعمليات تهريب الأسلحة إلى داخل اليمن تمهيداً لوقفها بشكل شبه نهائي؟.
الإجابة على هذين السؤالين تتطلب في المقام الأول تقييم المقاربة الجديدة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية إزاء التصعيد في البحر الأحمر، والتي يمكن القول إنها تعتمد على محددات رئيسية ثلاثة تتمثل في:
حدود التدخل
إن ما سبق في مجمله ربما يقدم إجابة على السؤالين السابق طرحهما. إذ أن ردود الفعل الأمريكية إزاء ما يجري في منطقة البحر الأحمر توحي بأنها لا تتبنى سياسة مستقرة في التعامل مع الأزمات التي تشهدها تلك المنطقة، وإنما تتبع نهجاً مؤقتاً هدفه الأساسي هو دفع حركة "أنصار الله" الحوثية إلى وقف الهجمات في البحر الأحمر، وسرعان ما ستعود إلى المقاربة التقليدية التي تتبناها منذ بداية تصاعد الأزمة في اليمن.
ويعني ذلك، أن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على ضبط مزيد من شحنات الأسلحة المتجهة إلى مواقع الحوثيين يمثل بدوره تكتيكاً مؤقتاً من جانبها لتحقيق أهداف خاصة بمحاولة وقف الهجمات وممارسة ضغوط أكثر على إيران، دون أن تتوافر مؤشرات توحي بأنها سوف تواصل تلك العمليات، في مرحلة ما بعد وقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تشابك الملفات الإقليمية المختلفة والارتدادات السريعة والمباشرة للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وامتداداتها في لبنان وسوريا والعراق، كل ذلك يدفع واشنطن إلى تبني مقاربة مؤقتة هدفها الأساسي هو حماية مصالحها- ومصالح إسرائيل- وضمان عدم تحول الحرب الحالية إلى صراع إقليمي ممتد أو واسع النطاق بشكل لا يتوافق مع حساباتها الحالية.
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات