الرئيسية مقالات مواجهة الحوثيين: جبهة إسرائيل المُؤجَّلة
مقالات إتجاهات أمنية

مواجهة الحوثيين: جبهة إسرائيل المُؤجَّلة

عندما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف جالنت، في26 ديسمبر الفائت (2023)، بأن بلادة اشتبكت منذ هجوم حماس عليها، في 7 أكتوبر الماضي، في ستة جبهات من أصل سبعة، حدد الجبهات السبع بـ: غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والعراق، و‏اليمن، وإيران. 
تحليل تصريحات جالنت لا يكشف فقط عن الجبهة المُؤجَّلة التي لم تتعامل إسرائيل معها حتى الآن، بل يوضح أيضاً الرؤية الإسرائيلية للحرب الشاملة والمتعددة الجبهات التي تخوضها، والتي يمكن تصورها على النحو التالي:

  1. جبهات تعمل إسرائيل فيها بنفسها وبدون معاونة ظاهرة من جانب الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالعمليات القتالية، وهي جبهات غزة، والضفة، وجنوب لبنان.
  2. جبهات تتعاون فيها إسرائيل مع الولايات المتحدة بسبب تحولها إلى مصدر تهديد مشترك، حيث تمتلك واشنطن قواعد عسكرية في سوريا والعراق، وتنشط فيهما جماعات تابعة لإيران، توجه ضرباتها لتلك القواعد على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس. وتفسر تلك الجماعات كثافة هجماتها على القواعد الأمريكية حالياً، بأنها مشاركة في حرب غزة، وفق مبدأ "وحدة الساحات" الذي يتبناه ما يسمى بـ"محور المقاومة". وتعتقد إسرائيل أن الجماعات التابعة لإيران في سوريا والعراق يمكن أن تدخل الحرب ضدها بشكل مباشر، وعدم الاكتفاء بضرب القواعد الأمريكية في أي لحظة، وبالتالى جاء تصريح جالنت عن وجود اشتباك أو رد إسرائيلي في تلك الجبهات، ولكن من دون تفاصيل عن نوعية تلك الردود. 
  3. جبهات لا يحدث فيها اشتباك مباشر، بل عمليات نوعية واستخبارية وهي الجبهة الإيرانية، التي تحارب ضدها إسرائيل دون اشتباك قتالي منذ ما يزيد على عقد ونصف. 
  4. الجبهات المُؤجَّلة: وهي جبهة واحدة تقودها جماعة الحوثي في اليمن.

جبهة الحوثي في الإدراك الإسرائيلي
اهتمت إسرائيل منذ اندلاع الأزمة اليمنية وتطوراتها عام 2011 ، بمجريات الصراع الدائر هناك بين جماعة الحوثي والدولة اليمنية، وازداد الاهتمام بالصراع بعد إعلان المملكة العربية السعودية تشكيل التحالف العربى ضد جماعة الحوثي التي أصبحت مصدر تهديد كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي، في إطار سياسة إيران الثابتة لزعزعة الاستقرار في المنطقة وتصدير ثورتها لها.
تاريخياً، كان للملكيين ذوي الخلفية الزيدية علاقات جيدة مع إسرائيل في ستينيات القرن الماضي، أثناء الحرب الأهلية اليمنية الأولى التي نشبت على إثر إسقاط الملكية في اليمن. وفي إطار السياسة الخارجية الإسرائيلية التي اعتمدت آنذاك على إقامة علاقات مع الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي لمواجهة الحصار الذي فرضته الدول العربية ضدها. في تلك الفترة، أقامت إسرائيل صلات مع المؤيدين لعودة الملكية، في مواجهة الجمهوريين الذين كانت تدعمهم مصر–الناصرية. ومع النتائج الكبيرة التي جنتها إسرائيل من حرب يونيو 1967 أمنياً وعسكرياً على وجه الخصوص، فقدت "الهاشمية السياسية" أهميتها السابقة بالنسبة لإسرائيل. ولكنها (أي الطائفة) كانت قد حددت دورها كجماعة وظيفية يمكن أن تحقق مصالحها من خلال استخدام القوى الإقليمية لها. وتدريجياً وبسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية، قبلت جماعة الحوثي أن تكون جزءاً من أذرع إيران الإقليمية، الأمر الذي رتب ضرورة تكليفها ببعض المهام التي تحقق مصالح إيران، مقابل دعم الأخيرة لها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
ولكن هذا التوجه وضعها مثلها مثل أذرع إيران الأخرى في المنطقة (حزب الله، والجماعات المسلحة في سوريا، والعراق، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين) في مواجهة إسرائيل نظرياً على الأقل.


هجمات الحوثيين كورقة لصالح إسرائيل 
أعاد استيلاء الحوثيين على السلطة إحياء الاهتمام الإسرائيلي بهم. كان الحوثيون قد تمكنوا من السيطرة على ميناء الحديدة في اليمن عام 2014، قبل أشهر قليلة من بدء الحرب. ورغم أن علاقة الحوثيين بإيران كان ينبغي لها أن تٌقلق إسرائيل في ظل سعي الأولى لإحاطتها بأذرعها الإقليمية من كافة الاتجاهات، فإن إسرائيل التي تمتلك ميناء وحيداً على البحر الأحمر ويمكن أن يتهدد بالغلق حال استخدام الحوثيون لميناء الحديدة في منع السفن الإسرائيلية من الإبحار، لم تتحرك جدياً لمواجهة هذا الخطر (الذي وقع بالفعل مع اندلاع حرب غزة الحالية).
عدم تحرك إسرائيل مبكراً ضد الخطر المحتمل من جانب الحوثيين على مصالحها في البحر الأحمر يعود لعدة أسباب تتمثل في:

  1. المسافة الكبيرة بين البلدين والتي تصل إلى قرابة ألفى كيلو متر، مما يجعل إمكانية تحريك إيران للحوثيين لضرب إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، أمراً مستبعداً، وإذا ما حدث فإن تأثير أي ضربات من جانب الحوثي سيكون محدوداً.
  2. إن تهديد الحوثيين المحتمل للسفن الإسرائيلية العابرة في البحر الأحمر سيشكل تهديداً شاملاً لحركة الملاحة فيه، مما يضع قيوداً على الحوثيين أمام كافة الدول التي لها مصالح حيوية في البحر الأحمر.
  3. إن الصعوبات التي واجهتها المملكة العربية السعودية في حربها مع الحوثيين ستزيد من استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والدفع في اتجاه إقناع بقية الدول العربية المطلة على البحر الأحمر لتشكيل تحالف دفاعي لحماية المصالح المشتركة للجميع. وستكون إسرائيل في موقع قيادي في هذا التحالف بحكم قوتها العسكرية، وبحكم علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة التي كانت تسعى أيضاً لتشكيل هذا التحالف، ووضعه تحت قيادتها. 

رؤية إسرائيل للسياسة الأمريكية والغربية تجاه الحوثيين 
عندما استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو أكثر من مرة لمنع صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، تلقت "الشكر" من جانب تل أبيب على مساعدتها في منع إدانتها دولياً، بينما لم تفعل إسرائيل الأمر نفسه عندما قامت قوات الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر بإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون تجاهها.
رد الفعل الإسرائيلي في الحالتين يبين كيف تنظر إسرائيل لتحركات واشنطن تجاه جماعة الحوثي، وترى فيها رد فعل طبيعياً من جانب واشنطن للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، وأنه حتى لو استفادت إسرائيل من هذه السياسة، فإنها غير مدينة لواشنطن مثلما الحال فيما يتعلق باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لحمايتها من الإدانة تحديداً.
الاعتقاد الإسرائيلي هذا يمكن قراءته من التحليلات التي تنشرها الصحف الإسرائيلية، وليس من خلال التصريحات الرسمية للمسئولين في الدولة العبرية. وتركز معظم هذه التحليلات في تناولها للإجراءات العقابية سياسياً وعسكرياً التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين (إعادة إدراجهم في قائمة الإرهاب، وتوجيه ضربات عسكرية لمواقعهم داخل اليمن، ولقواربهم في البحر الأحمر)، على أن لدى الولايات المتحدة أسباب محددة لها علاقة بسياستها ومصالحها في الشرق الأوسط، وأهمها:

  1. الموقف الثابت للولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، بالعمل على منع توسيع جبهات القتال، وتمدد الحرب في اتجاه يؤدي إلى تفجر صراع إقليمي واسع المدى، ولا يمكن السيطرة عليه.
  2. المصالح التجارية والاقتصادية الكبرى للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والتي تفرض عليهما الدفاع عن هذه المصالح، كما فعلوا سابقاً عندما تصدوا في أثناء الحرب العراقية–الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين للاعتداءات التي قامت بها إيران ضد السفن التجارية وناقلات النفط في مياه الخليج العربي، وكما فعلت أيضاً عندما ساهمت في تشكيل تحالف دولي لمواجهة عمليات القرصنة التي كانت تشنها الجماعات الصومالية المسلحة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ضد السفن التجارية، قبل عشرة أعوام.
  3. إن إسرائيل كان يمكن لها أن تشعر بفائدة التدخل العسكري الأمريكي لصالح أمنها، إذا ما استبدلت واشنطن استخدام قوتها العسكرية ضد الحوثيين، بتوجيهها نحو إيران التي تدعم الحوثيين بالمال والتدريب والسلاح، والمعلومات الاستخبارية التي تسهل لهم القيام بشن هجماتهم، وهو المنطق الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينت قد أطلق عليه مسمى سياسة "قطع رأس الأخطبوط" (إيران) بدلاً من قطع أذرعه.
  4. إن الولايات المتحدة لم تدع إسرائيل للمشاركة في تحالف ما يسمى بـ"حارس الازهار"، الذي أعلن عن تشكيله في ديسمبر الماضي كتحالف مفتوح أمام أي دولة للانضمام إليه، بهدف حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر. ورغم أن السفن الإسرائيلية هي الوحيدة التي تستهدفها هجمات الحوثيين، إلا أن إسرائيل لم تظهر في قائمة الدول الإثنى عشر التي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن مشاركتها في التحالف من بين عشرين دولة قالت إنها تشارك فيه، ولكن بعضها أراد تجنب حساسيات تمس مصالحه الأمنية، وفضل عدم الإعلان صراحة عن مشاركته فيه. ويبدو أن إسرائيل ليست من هذه الدول الثمانية التي امتنعت عن الإعلان عن مشاركتها في التحالف، رغم الشكوك التي أثارتها بعض التقارير الدولية حول هذه النقطة تحديداً. 
    إذ أن المصلحة الإسرائيلية الحقيقية هي الابتعاد عن الصدام مع الحوثيين، سواء للتركيز على الجبهات المفتوحة في غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، أو لترك الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تتحمل العبء وحدها، على أمل أن يدرك الجميع ليس خطورة ما يقوم به الحوثيون من أعمال تهدد الملاحة الدولية في البحر الأحمر فحسب، بل الأهم خطورة التهاون مع إيران التي تمول، في رؤيتها، كل "الحركات الإرهابية" في الشرق الأوسط، ومن ثم الاستدارة لمواجهتها بشكل حازم للقضاء على هذا الخطر بشكل نهائي.
  5. إن الولايات المتحدة لم تطلب من دول مطلة على البحر الأحمر، وتضررت مصالحها بشكل واضح من هجمات الحوثيين، أكثر مما تضررت إسرائيل، المشاركة في التحالف، مثل مصر التي تسبب تهديد الحوثيين لحرية الملاحة في البحر الأحمر في التأثير الكبير على عائداتها من مرور السفن في قناة السويس، أو الأردن التي ارتفعت فيها أسعار السلع الضرورية نتيجة الإضرار بسلاسل التوريد، وكذلك المملكة العربية السعودية التي يمر جزء كبير من صادرتها النفطية في البحر الأحمر، وأخيراً السودان التي وقعت على الاتفاق الإبراهيمي، ولكن حالة الفوضى التي تعانيها جراء الصراع الدائر منذ أبريل من العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، أجبرتها على تجميد إجراءات التطبيع مع إسرائيل، بل والاستدارة مؤخراً لإعادة العلاقات مع ايران، بما يهدد ما يسمى بـ"الإنجازات" التي حققتها الاتفاقات الإبراهيمية لإسرائيل. 

وبناءً عليه، ترى إسرائيل أن السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تدافع عن مصالحهما فقط، بل تنوب عن دول أخرى في تحمل عبء مواجهة الحوثيين، فلماذا تتبرع إسرائيل بالدفاع عن مصالح الآخرين وليس مصالحها إذا ما دخلت في مواجهة مباشرة مع الحوثيين؟           
خلاصة القول، في إطار هذا التصور، لن تقوم إسرائيل بالرد على أى هجمات يشنها الحوثيون ضدها، إلا في حالة واحدة، وهي إذا تسببت هذه الهجمات في سقوط ضحايا من مواطنيها أو جنودها. وستظل جبهة المواجهة بينها وبين الحوثيين هي الجبهة الوحيدة التي لا تشتبك فيها الدولة العبرية مع أذرع إيران الإقليمية. ولكن من المؤكد أن الاستخبارات الإسرائيلية التي توعدت بمطاردة كل من تورطوا في شن هجمات على إسرائيل، سوف تضع ضمن بنك أهدفها قيادات الحوثيين، كما ستعمل أيضاً على التعاون مع العديد من دول المنطقة لتجفيف منابع التمويل والتسليح لهم مستقبلاً. 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات