عندما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف جالنت، في26 ديسمبر الفائت (2023)، بأن بلادة اشتبكت منذ هجوم حماس عليها، في 7 أكتوبر الماضي، في ستة جبهات من أصل سبعة، حدد الجبهات السبع بـ: غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وإيران.
تحليل تصريحات جالنت لا يكشف فقط عن الجبهة المُؤجَّلة التي لم تتعامل إسرائيل معها حتى الآن، بل يوضح أيضاً الرؤية الإسرائيلية للحرب الشاملة والمتعددة الجبهات التي تخوضها، والتي يمكن تصورها على النحو التالي:
جبهة الحوثي في الإدراك الإسرائيلي
اهتمت إسرائيل منذ اندلاع الأزمة اليمنية وتطوراتها عام 2011 ، بمجريات الصراع الدائر هناك بين جماعة الحوثي والدولة اليمنية، وازداد الاهتمام بالصراع بعد إعلان المملكة العربية السعودية تشكيل التحالف العربى ضد جماعة الحوثي التي أصبحت مصدر تهديد كبيراً لدول مجلس التعاون الخليجي، في إطار سياسة إيران الثابتة لزعزعة الاستقرار في المنطقة وتصدير ثورتها لها.
تاريخياً، كان للملكيين ذوي الخلفية الزيدية علاقات جيدة مع إسرائيل في ستينيات القرن الماضي، أثناء الحرب الأهلية اليمنية الأولى التي نشبت على إثر إسقاط الملكية في اليمن. وفي إطار السياسة الخارجية الإسرائيلية التي اعتمدت آنذاك على إقامة علاقات مع الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي لمواجهة الحصار الذي فرضته الدول العربية ضدها. في تلك الفترة، أقامت إسرائيل صلات مع المؤيدين لعودة الملكية، في مواجهة الجمهوريين الذين كانت تدعمهم مصر–الناصرية. ومع النتائج الكبيرة التي جنتها إسرائيل من حرب يونيو 1967 أمنياً وعسكرياً على وجه الخصوص، فقدت "الهاشمية السياسية" أهميتها السابقة بالنسبة لإسرائيل. ولكنها (أي الطائفة) كانت قد حددت دورها كجماعة وظيفية يمكن أن تحقق مصالحها من خلال استخدام القوى الإقليمية لها. وتدريجياً وبسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية، قبلت جماعة الحوثي أن تكون جزءاً من أذرع إيران الإقليمية، الأمر الذي رتب ضرورة تكليفها ببعض المهام التي تحقق مصالح إيران، مقابل دعم الأخيرة لها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
ولكن هذا التوجه وضعها مثلها مثل أذرع إيران الأخرى في المنطقة (حزب الله، والجماعات المسلحة في سوريا، والعراق، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين) في مواجهة إسرائيل نظرياً على الأقل.
هجمات الحوثيين كورقة لصالح إسرائيل
أعاد استيلاء الحوثيين على السلطة إحياء الاهتمام الإسرائيلي بهم. كان الحوثيون قد تمكنوا من السيطرة على ميناء الحديدة في اليمن عام 2014، قبل أشهر قليلة من بدء الحرب. ورغم أن علاقة الحوثيين بإيران كان ينبغي لها أن تٌقلق إسرائيل في ظل سعي الأولى لإحاطتها بأذرعها الإقليمية من كافة الاتجاهات، فإن إسرائيل التي تمتلك ميناء وحيداً على البحر الأحمر ويمكن أن يتهدد بالغلق حال استخدام الحوثيون لميناء الحديدة في منع السفن الإسرائيلية من الإبحار، لم تتحرك جدياً لمواجهة هذا الخطر (الذي وقع بالفعل مع اندلاع حرب غزة الحالية).
عدم تحرك إسرائيل مبكراً ضد الخطر المحتمل من جانب الحوثيين على مصالحها في البحر الأحمر يعود لعدة أسباب تتمثل في:
رؤية إسرائيل للسياسة الأمريكية والغربية تجاه الحوثيين
عندما استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو أكثر من مرة لمنع صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، تلقت "الشكر" من جانب تل أبيب على مساعدتها في منع إدانتها دولياً، بينما لم تفعل إسرائيل الأمر نفسه عندما قامت قوات الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر بإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقها الحوثيون تجاهها.
رد الفعل الإسرائيلي في الحالتين يبين كيف تنظر إسرائيل لتحركات واشنطن تجاه جماعة الحوثي، وترى فيها رد فعل طبيعياً من جانب واشنطن للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، وأنه حتى لو استفادت إسرائيل من هذه السياسة، فإنها غير مدينة لواشنطن مثلما الحال فيما يتعلق باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لحمايتها من الإدانة تحديداً.
الاعتقاد الإسرائيلي هذا يمكن قراءته من التحليلات التي تنشرها الصحف الإسرائيلية، وليس من خلال التصريحات الرسمية للمسئولين في الدولة العبرية. وتركز معظم هذه التحليلات في تناولها للإجراءات العقابية سياسياً وعسكرياً التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين (إعادة إدراجهم في قائمة الإرهاب، وتوجيه ضربات عسكرية لمواقعهم داخل اليمن، ولقواربهم في البحر الأحمر)، على أن لدى الولايات المتحدة أسباب محددة لها علاقة بسياستها ومصالحها في الشرق الأوسط، وأهمها:
وبناءً عليه، ترى إسرائيل أن السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تدافع عن مصالحهما فقط، بل تنوب عن دول أخرى في تحمل عبء مواجهة الحوثيين، فلماذا تتبرع إسرائيل بالدفاع عن مصالح الآخرين وليس مصالحها إذا ما دخلت في مواجهة مباشرة مع الحوثيين؟
خلاصة القول، في إطار هذا التصور، لن تقوم إسرائيل بالرد على أى هجمات يشنها الحوثيون ضدها، إلا في حالة واحدة، وهي إذا تسببت هذه الهجمات في سقوط ضحايا من مواطنيها أو جنودها. وستظل جبهة المواجهة بينها وبين الحوثيين هي الجبهة الوحيدة التي لا تشتبك فيها الدولة العبرية مع أذرع إيران الإقليمية. ولكن من المؤكد أن الاستخبارات الإسرائيلية التي توعدت بمطاردة كل من تورطوا في شن هجمات على إسرائيل، سوف تضع ضمن بنك أهدفها قيادات الحوثيين، كما ستعمل أيضاً على التعاون مع العديد من دول المنطقة لتجفيف منابع التمويل والتسليح لهم مستقبلاً.
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات