رسائل مسبقة: لماذا هدد الحوثيون بالتدخل في الحرب بين إسرائيل وحماس؟
بعد مرور ثلاثة أيام على العملية العسكرية التي شنتها "كتائب القسام" - الذراع العسكرية لحركة حماس الفلسطينية - ضد إسرائيل وأطلقت عليها اسم "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر الجاري (2023)، بدأت المليشيا الحوثية في الانخراط في التصعيد الذي نشب على خلفية ذلك، بين الفصائل الفلسطينية وإيران من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى.
إذ وجّه زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، في كلمة ألقاها في 13 أكتوبر الجاري، تحذيرات من أنه "إذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع بشكل مباشر، فإن المليشيا سوف ترد بإطلاق المسيرات والصواريخ وستتخذ خيارات عسكرية أخرى"، مضيفاً: "هناك خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بغزة"[١].
هذه التصريحات تطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن المليشيا الحوثية تبنت سياسة إزاء الحرب الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية تتناقض، إلى حد كبير، مع الشعارات الأيديولوجية التي تعتمد عليها كركن أساسي في بنيتها الفكرية من البداية، على غرار شعار "الموت لإسرائيل". إذ أنها ربطت تدخلها بانخراط الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر في الحرب، أى أنها رفعت سقف شروطها للانتقال من التصعيد الكلامي إلى الخيار العسكري، رغم أن الحرب التي تدور رحاها حتى اليوم ما زالت منحصرة في إسرائيل من ناحية وحركة حماس فضلاً عن بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى من ناحية أخرى، بما يعني أنه رغم تهديداتها بالتدخل، فإنها في الوقت نفسه لا تفضل الإقدام هذا الخيار بالفعل، وتحاول ترحيله إلى مرحلة أخرى تكون مرتبطة بتبلور ظروف وشروط معينة لا تتوافر في الوقت الحالي.
هذا التناقض بين القول والفعل يبدو أوضح ما يكون في إشارة الحوثي في الكلمة نفسها إلى أن البعد الجغرافي يمثل عائقاً أمام انتقال المقاتلين إلى منطقة الصراع، رغم أن ذلك لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن هذه المليشيات أصبحت أقرب إلى ما يمكن تسميته بالمليشيات
"النقّالة" أو "الجوّالة" التي تتواجد في أية منطقة أو دولة تقتضي مصالح إيران أن تتواجد فيها، على غرار ما يحدث في سوريا، حيث تقاتل مليشيات شيعية أفغانية وباكستانية ولبنانية إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكان لها دور رئيسي في تغير توازنات القوى داخل لصالح الأخير في الأعوام الأخيرة.
والثانية، أن المليشيا لم تحدد بشكل واضح الأهداف التي سوف تقوم بمهاجمتها ونطاقها الجغرافي. فهل ستحاول الوصول إلى أهداف داخل إسرائيل نفسها، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أنه في حالة إقدامها، بمساعدة إيران، على تطوير قدراتها الصاروخية مثل صاروخ "بركان"[٢]، فإنها من الممكن أن تنجح في تطوير مداه بحيث يصل إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، أم أنها قد تتعمد مهاجمة أهداف أمريكية وإسرائيلية قد تقع في مرمى صواريخها ومسيراتها، على غرار ما كانت تفعل إيران عندما استهدفت سفناً إسرائيلية بالقرب من المياه الإقليمية اليمنية في فترات سابقة؟.
هنا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن هذه التحذيرات تدخل في إطار سياسة "استعراض القدرات" أو "البروباجندا" دون أن يكون هناك استعداد حقيقي للانخراط في الحرب التي تتصاعد حدتها الآن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. ويمكن تفسير ذلك في ضوء حرص المليشيا على التماهي مع الموقف الإيراني.
إذ ما زالت إيران حريصة على نفى انخراطها بشكل مباشر في عملية "طوفان الأقصى"، فرغم الدعم الواضح الذي أبداه بعض القادة العسكريين لتلك العملية على غرار رئيس هيئة الأركان المشتركة محمد باقري ومستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية يحيى رحيم صفوي، إلا أن المرشد علي خامنئي نفسه حرص، في 10 أكتوبر الجاري، أي في اليوم نفسه الذي ألقى فيه الحوثي كلمته بخصوص الحرب، على تأكيد أن "هذه العملية نفذت بأيدٍ فلسطينية"، وأن "ترجيح مشاركة أطراف غير فلسطينية فيها يعد خطأ كبيراً"[٣].
لكن اللافت أن هذا الموقف الإيراني تطور تدريجياً، وهو ما بدأت المليشيا الحوثية تتجاوب معه، حيث انتقل من مجرد نفى المشاركة في العملية العسكرية التي شنتها "كتائب القسام"، إلى التحذير من إمكانية الارتكان إلى خيارات أخرى في حالة ما إذا تطورت الحرب الحالية أو اتسع نطاقها.
إذ لم يستبعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إمكانية حدوث تغيير في الموقف الإيراني في حالة تطور الحرب، حيث أشار خلال زيارته اللافتة لبيروت، في 12 أكتوبر الحالي، إلى أنه "في ظل استمرار العدوان وجرائم الحرب والحصار على غزة، فإن فتح جبهات جديدة سيكون احتمالاً قائماً"[٤].
دوافع عديدة:
يمكن تفسير حرص المليشيا الحوثية على الانخراط في التصعيد الحالي في ضوء دوافع ثلاثة رئيسية هي:
١- التشكيك في أهداف التحرك العسكري الأمريكي: لم تبد إيران والمليشيات الموالية لها في دول الأزمات قلقاً كبيراً إزاء التدخل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة رداً على عملية "طوفان الأقصى"، بقدر ما أبدت إزاء التحرك العسكري الأمريكي لدعم إسرائيل. إذ لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بنقل عتاد عسكري إلى إسرائيل لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، التي حظيت بدعم أمريكي خاص بدا جلياً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 11 أكتوبر الحالي، والتي وصف فيها عملية حماس بأنها "تتجاوز جرائم داعش"، بل إنها قامت بتحريك حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى منطقة شرق المتوسط.
وهنا، فإن إيران وهذه المليشيات اعتبرت أن التحرك العسكري الأمريكي يستهدف أطرافاً أخرى غير حماس، وتحديداً إيران وحزب الله اللبناني، لا سيما بعد أن بدأت اتجاهات عديدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية في توجيه اتهامات مباشرة إلى إيران بأنها مسئولة بشكل مباشر عن العملية الأخيرة التي قامت بها "كتائب القسام" داخل إسرائيل، وأنها استغلت حصولها على 6 مليار دولار من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية بمقتضى صفقة تبادل السجناء التي تم إبرامها مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنفيذها في 18 سبتمبر الفائت، لمواصلة تقديم الدعم المالي لحلفائها في المنطقة.
بل إن التحريض ضد إيران وصل إلى حد توجيه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري ليندساي جراهام، في 10 أكتوبر الجاري، دعوة لشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النفطية الإيرانية في حالة ما إذا أقدمت حركة حماس على قتل الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين الذين قامت بأسرهم خلال العملية ونقلهم إلى داخل قطاع غزة[٥].
٢- التماهي مع التحركات المليشياوية الأخرى: توازت التحذيرات التي أطلقها زعيم المليشيا الحوثية عبد الملك الحوثي مع التحركات التي قامت بها المليشيات الموالية لإيران في دول الأزمات. ففضلاً عن قيام حزب الله اللبناني بالانخراط في تصعيد محدود مع إسرائيل في جنوب لبنان يهدف إلى توجيه رسائل تحذيرية لمنع إسرائيل من الإقدام على توسيع نطاق المواجهة الحالية، إلى جانب إطلاق قذائف عبر هضبة الجولان، فإن المليشيات العراقية انخرطت بدورها في هذا التصعيد.
إذ هددت "كتائب حزب الله" العراق باستهداف القوات الأمريكية في العراق في حالة ما إذا تدخلت واشنطن في الحرب التي تتصاعد حدتها في غزة، فيما هددت مليشيا "عصائب أهل الحق" بأنها يمكن أن ترد على الدعم الأمريكي لإسرائيلي، لكنها لم تحصر نطاق استهدافها للمصالح الأمريكية في العراق بل أشارت إلى أنها سوف تستهدف هذه المصالح على مستوى المنطقة كلها.
٣- الرد على التهديدات الإسرائيلية: تمثل التحذيرات التي وجهها زعيم المليشيا الحوثية، في قسم منها، محاولة للرد على التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 10 أكتوبر الحالي، وقال فيها أن "الرد الإسرائيلي سوف يغير منطقة الشرق الأوسط"[٦]. وهنا، فإن هذه المليشيا، إلى جانب إيران، اعتبرت أن الهدف من اتجاه إسرائيل إلى الاستناد للخيار العسكري، بدعم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لن يقتصر على قطاع غزة، ولن ينحصر في تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، بل سيمتد إلى مواجهة نفوذ إيران على الأرض وداخل ساحات مختلفة، بعد أن أصبح هذا النفوذ، وفقاً لرؤيتى واشنطن وتل أبيب، المصدر الأول لتهديد الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي.
خيار مشروط
على ضوء ما سبق، يمكن القول إن انخراط المليشيا الحوثية في التصعيد العسكري الحالي سوف يكون مشروطاً من البداية بتوافر متغيرات محددة، ما زال الحديث عنها مؤجلاً حتى الآن. إذ لم تتضح بعد حدود التدخل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة حتى الآن، ولا المعطيات الفلسطينية والإقليمية التي سوف تتمخض عن ذلك. فضلاً عن أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ورغم حرصها على تقديم دعم عسكري وسياسي كبير لإسرائيل، ما زالت حريصة على تأكيد أنها لا تمتلك أدلة تثبت ضلوع إيران في عملية "طوفان الأقصى".
إلى جانب ذلك، فإن تحرك المليشيا الحوثي باتجاه نقل انخراطها الحالي من مجرد التصعيد الكلامي إلى التصعيد العسكري سوف تكون له تكلفة ربما لن تكون هينة. إذ أنها سوف تعزز من احتمال تعرض مواقعها لضربات عسكرية أمريكية، على غرار ما حدث في أكتوبر 2016، عندما وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربات صاروخية إلى ثلاثة مواقع رادار ساحلية تابعة للمليشيا على ساحل البحر الأحمر، في 12 من هذا الشهر، رداً على الهجمات التي تعرضت لها البارجة "يو اس اس ماسون" وسفناً أخرى في البحر الأحمر.
كما أن هذا الانخراط سوف يكون كفيلاً بدفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إجراء تغيير جديد في سياستها تجاه المليشيا. فبعد أن اتخذت قراراً مبكراً برفع اسم المليشيا من قائمة التنظيمات الإرهابية، في 6 فبراير 2021، أى بعد أقل من شهر على وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير من العام نفسه، وذلك تمهيداً للانخراط في مفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران، والتي استؤنفت بالفعل في أبريل من العام نفسه، فإن أى تحرك عسكري من جانب المليشيا كفيل باتخاذ خطوات أمريكية تصعيدية تجاهها في المرحلة القادمة، لا تتوافق مع مصالحها وحساباتها في المرحلة الحالية، خاصة أن إيران نفسها لا تفضل توسيع نطاق المواجهة الحالية وتسعى إلى حصرها في إطار الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
[١] النص الكامل لكلمة عبدالملك الحوثي حول "طوفان الأقصى" والرد الإسرائيلي، سي إن إن، 11 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/nqPcGHq
[٢] مايكل نايتس، نسخة جنوبية عن "حزب الله" في اليمن: تداعيات التحسينات في الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 1 أبريل 2021، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/2WaTK2O
[٣] خامنئي ينفي ضلوع إيران في هجوم "حماس" على إسرائيل، صحيفة الشرق الأوسط، 10 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/23au5xU
[٤] عبد اللهيان يوضح موقف إيران من فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، سكاى نيوز عربية، 12 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/pkf6fER
[٥] إيران تدعم "حماس" وسط تباين داخلي... وتنفي ضلوعها في "عملية الطوفان"، صحيفة الشرق الأوسط، 9 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/IyJQNeq
[٦] نتنياهو: رد إسرائيل على هجوم حماس سيغير الشرق الأوسط، سويس انفو، 9 أكتوبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/AQIbt1S
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات