الرئيسية مقالات صراع الأجنحة: مشهد متشظّي للسياسة الخارجية اليمنية
صراع الأجنحة: مشهد متشظّي للسياسة الخارجية اليمنية
مقالات برنامج دراسات السياسات

صراع الأجنحة: مشهد متشظّي للسياسة الخارجية اليمنية


في خضم الأزمة اليمنية المتشعبة، يقف المجلس الرئاسي على مفترق طرق استراتيجي، يسعى من خلاله لرسم ملامح سياسة دبلوماسية متوازنة وسط بحر هائج من التحديات. إلا أن مسار هذه الدبلوماسية الناشئة يتعثر بين طموحات الإصلاح وتعقيدات الواقع السياسي المتصدع، ليطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة المجلس على تحقيق اختراقات حقيقية تعزز من موقع اليمن على الخارطة الدولية.

 

خطوات تجديدية وسط رمال متحركة
تبرز من بين المبادرات الإيجابية للمجلس تعيينه قيادة جديدة لوزارة الخارجية، في خطوة تعكس رغبة ظاهرة في إعادة تنشيط العمل الدبلوماسي وإحياء دور اليمن في المحافل الدولية. هذه التعيينات جاءت لتمثل بارقة أمل في منظومة دبلوماسية أنهكتها سنوات الصراع، وفتحت آفاقاً لتحديث جهاز خارجي يواجه تحديات غير مسبوقة.

الوزير الجديد، بدوره، طرح رؤية إصلاحية طموحة تستهدف ترميم بنية الوزارة من جذورها، عبر حزمة إجراءات تشمل إعادة هيكلة شاملة للكادر الدبلوماسي، وتطبيق سياسة الإحالة إلى التقاعد للموظفين الذين استنفدوا سنوات خدمتهم، ومكافحة الفساد المستشري في الإيرادات القنصلية. كما تضمنت خطته وضع آليات شفافة لاختيار الكفاءات الدبلوماسية، قائمة على أسس النزاهة والكفاءة، بما يعزز الهوية الوطنية ويحد من تسييس العمل الدبلوماسي.

 

معركة النفوذ: الإصلاح في مواجهة المصالح المتجذرة
بيد أن هذه الرؤية الإصلاحية تصطدم بجدار صلب من المعارضة المتعددة الأوجه. فداخل أروقة المجلس الرئاسي نفسه، تتصارع تيارات متباينة، بعضها يرى في الإصلاحات تهديداً لشبكات النفوذ التقليدية التي نسجتها على مدار سنوات. هذه المعارضة لا تقتصر على أعضاء في المجلس فحسب، بل تمتد لتشمل أطرافاً فاعلة في المشهد السياسي اليمني، كحزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية، اللذين يتنافسون على تشكيل مستقبل السياسة الخارجية اليمنية وفق مصالحهم المتعارضة.

في خضم هذه الديناميكية المعقدة، يجد رئيس المجلس الرئاسي نفسه أسير معادلة شائكة: بين تبني خطاب الإصلاح الذي يلقى ترحيباً محلياً ودولياً، والحفاظ على توازنات داخلية هشة تضمن استمرار شرعيته. ولعل تعيين السفير الحجري في واشنطن يمثل نموذجاً صارخاً لهذه المعضلة، حيث فُسّرت هذه الخطوة على أنها مناورة استراتيجية لتعزيز نفوذ الرئيس أكثر من كونها جزءاً من رؤية إصلاحية متكاملة، مما يضع علامات استفهام حول مدى عمق الالتزام بمشروع الإصلاح الدبلوماسي.

 

صراع الأجنحة: مشهد متشظٍ في أروقة السلطة
يعكس المشهد الداخلي للمجلس الرئاسي حالة من الاستقطاب الحاد بين قوى متنافسة، تتصارع على رسم البوصلة الدبلوماسية لليمن وفق مصالح متضاربة. في مركز هذا الصراع، يقف حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية كأقطاب متنافرة، لكل منهما أجندته الخاصة ورؤيته المختلفة لمستقبل العلاقات الخارجية للبلاد.

هذا التنافس المحموم على النفوذ في دوائر صنع القرار الدبلوماسي ينعكس سلباً على تماسك السياسة الخارجية اليمنية، ويحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية الداخلية بدلاً من أن تكون أداة فعالة لتحقيق المصالح الوطنية العليا. وفي ظل غياب رؤية موحدة، تتشتت الجهود الدبلوماسية وتتبعثر في مسارات متعارضة، مما يفقدها فاعليتها ويضعف من قدرتها على التأثير في المشهد الإقليمي والدولي.

 

ميزان العلاقات الإقليمية: بين التبعية والاستقلالية
تعكس علاقات المجلس الرئاسي مع القوى الإقليمية المؤثرة في الأزمة اليمنية معضلة عميقة تواجه الدبلوماسية اليمنية: كيفية الموازنة بين الحاجة إلى الدعم الخارجي والحفاظ على هامش من الاستقلالية في صنع القرار. فمن جهة، لا تزال العلاقة مع المملكة العربية السعودية تتسم بطابع الهيمنة والتأثير المباشر في مسارات السياسة اليمنية، وهو ما يحد من قدرة المجلس على اتخاذ مبادرات دبلوماسية مستقلة.

ومن جهة أخرى، لم ينجح المجلس في ترميم العلاقات المتوترة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم دورها المحوري في المشهد اليمني، مما خلق فجوة استراتيجية في شبكة العلاقات الإقليمية التي يحتاجها اليمن في معركة انهاء الانقلاب واستعادة الدولة. هذا الخلل في التوازن الإقليمي ألقى بظلاله على علاقات المجلس بالقوى الدولية الكبرى، كالولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين وروسيا التي باتت تنظر بعين الريبة إلى قدرة المجلس على تمثيل اليمن بفاعلية في المحافل الدولية.

 

نحو أفق جديد: خارطة طريق للدبلوماسية اليمنية
رغم هذه التحديات الجسام، تبقى أمام المجلس الرئاسي فرصة سانحة لإعادة رسم ملامح الدبلوماسية اليمنية وفق رؤية استراتيجية جديدة. مفتاح هذا التحول يكمن في القدرة على تحقيق توافقات داخلية حقيقية بين مكونات المجلس، تتجاوز منطق المحاصصة إلى بناء سياسة خارجية موحدة تعكس المصالح الوطنية العليا.
كما أن نجاح المسار الإصلاحي داخل وزارة الخارجية يمثل حجر الزاوية في إعادة بناء جهاز دبلوماسي فاعل، قادر على استعادة مكانة اليمن إقليمياً ودولياً. هذا يتطلب إرادة سياسية صلبة لمواجهة مراكز النفوذ التقليدية، وتبني معايير الكفاءة والنزاهة في اختيار الكوادر الدبلوماسية، وتحييد العمل الدبلوماسي عن الصراعات الحزبية والمناطقية.
إن تحقيق توازن دقيق في العلاقات الإقليمية، يحفظ استقلالية القرار اليمني دون التفريط في أهمية الدعم الخارجي، يمثل تحدياً جوهرياً أمام المجلس الرئاسي. نجاح المجلس في هذا المسعى سيكون له انعكاس إيجابي على قدرته على حشد الدعم الدولي اللازم لمواجهة الحوثيين ومعالجة الأزمة الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وإرساء أسس سلام مستدام يفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن.


 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات