الرئيسية تقديرات ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة مع الحوثيين
ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة مع الحوثيين
تقديرات إتجاهات إقليمية ودولية

ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة مع الحوثيين

تسير التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط على نحو لا يخدم جماعة الحوثي في اليمن، بدءً من الهزائم التي لحقت بأطراف المحور الإيراني (ما يسمي بمحور المقاومة)، ومروراً بعودة ترامب للبيت الأبيض، وانتهاء بدعوات مكثفة من جانب النخبة السياسية والأمنية في اسرائيل بالتعامل مع الحوثيين كجبهة قتال شاملة، يجب تحقيق الانتصار الحاسم فيها بشكل واضح.

على الجانب الأول: أصبح محور إيران مقسماً بين أطراف تواجه انهيار كبير في قدراتها العسكرية، وأخرى تم ردعها وتحاول أن تنأى بنفسها عن الاشتباك مع إسرائيل، حيث: 

  1. إنهيار نظام الأسد في سوريا، ويفضل النظام المؤقت الذي يسيطر على أجزاء منها، تأمين بقاؤه في الداخل، بعدم التورط في صراعات خارجية خاصة ضد إسرائيل. كما تم تصفية معظم القيادات السياسية والعسكرية لحزب الله، وبات مهدداً بتجريده من سلاحه بضغوط من الداخل اللبناني ذاته، وتواجه حركة حماس مصيراً مشابهاً، حيث أنها مصنفة كجماعة إرهابية في أوربا والولايات المتحدة، كما تؤيد العديد من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تصفية قدراتها العسكرية المتبقية بعد حربها الطويلة مع اسرائيل، وإبعادها عن حكم القطاع.
  2. تفضيل الجماعات الشيعية المسلحة في سوريا والعراق -والتي كانت الأقل ضلوعاً في المواجهة مع إسرائيل -الحفاظ على بقاءها وعدم استعداء الحكومة العراقية التي من مصلحتها القضاء عليهم أو على الأقل تحجيمهم. ويبدو أن العراق قد نجح بالفعل في إرغامهم على وقف هجماتهم ضد إسرائيل منذ أكتوبر الماضي.
  3. معاناة إيران، التي تقود المحور، من آثار الضربتين العسكريتين التي تلقتهما من اسرائيل خلال العام الماضي، وخشيتها من الدخول في مواجهة جديدة معها، في ظل تقارير إسرائيلية ودولية تؤكد على الدمار الذي لحق بمنظومة الدفاع الإيراني، والتي جعلت الأراضي الإيرانية عارية من الحماية ضد أية ضربات جوية أو صاروخية. أيضاً يواجه النظام الإيراني تحديات داخلية ضخمة تجبره على عدم تشتيت جهوده في صراعات خارجية، فالاقتصاد الإيراني يمر بأزمة متفاقمة منذ سنوات، انعكست آثارها على الأوضاع الاجتماعية، والتي تهدد بانتشار التمردات على النظام، وتزيد من قدرة المعارضة على حشد الرأي العامة الإيراني ضده.

علي الجانب الثاني: مع عودة ترامب للبيت الأبيض، ثمة توقعات بأنه سيعيد تطبيق سياسة "الضغط الأقصى" التي طبقها ضد إيران وبعض اذرعها  منذ عام 2018 ومنهم جماعة الحوثي التي تم وضعها في قائمة الجماعات المصنفة كجماعة إرهابية في ذلك الوقت، قبل أن ترفعها إدارة بايدن السابقة منها في السنوات الثلاثة الأولي لحكمها، ثم اضطرارها لاحقاً لإعادتها للقائمة في يناير 2024، علي خلفية مهاجمتهم للسفن التجارية والحربية الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر منذ نشوب الحرب بين إسرائيل وأذرع إيران في 2023. ويمكن القول أن سياسة الضغط الأقصى ضد الحوثيين قد بدأت فعلياً بتوقيع ترامب أمراً تنفيذياً، بعد يومين فقط من توليه السلطة رسمياً، بوضع جماعة الحوثي في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهي قائمة تضعها وزارة الخارجية الأمريكية وتحتوي علي عقوبات أكثر تشدداً مقارنة بالعقوبات الموجهة للدول الي تشملها قائمة أخري تسمي بالقائمة الخاصة بالإرهابين الدوليين، وهي خاضعة لوزارة المالية الأمريكية. فعلي حين أن العقوبات المفروضة على من تشملهم قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"  Foreign Terrorist Organization (FTO)  والتي أنشأت في 1997، تعني تجميد الأصول وحظر التعاملات المالية، وما يشبه الحظر الاقتصادي الشامل، وتفرض عقوبات مشددة  على من يحاول تجاوز هذه العقوبات من الدول المؤسسات الأجنبية. فأن القائمة المعروفة باسم "الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص" Specially Designated Global Terrorist (SDGT)، والتي أنشئت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تشتمل على عقوبات من نوع، تجميد الأصول وحظر المعاملات المالية، أي أنها اقتصادية بالدرجة الأولى، وتقع ضمن صلاحيات وزارة الخزانة الأمريكية. وعلي حين أن القائمة الاولي يمكن أن تؤثر على تدفق المساعدات الإنسانية للدول التي تنشط فيها هذه التنظيمات، فأن القائمة الثانية تسمح بتمرير المساعدات الإنسانية.
ورغم أن آلية العقوبات لم تثبت نجاحها سواءً ضد جماعة الحوثي أو غيرها، إلا أن قرار ترامب الأخير سيزيد من الضغوط على تلك الجماعة، وقد يفرض على واشنطن التحرك صوب إجراءات أشد في المرحلة المقبلة

على الجانب الثالث: والذي يمثل التحدي الأكبر لجماعة الحوثي، وإسرائيل علي حد سواء، فإن إسرائيل التي اعتبرت المواجهة مع الحوثيين بمثابة "جبهة ثانوية" يمكن تأجيل العمل داخلها مؤقتاً، قد بدأت في الاستعداد لنقلها إلى خانة الجبهات الأساسية، بل واعتبار الحسم فيها مسألة عاجلة بشكل خاص. وهو ما يعني تزايد الضغط العسكري علي جماعة الحوثي في الفترة القادمة، وسيكون عليها مواجهة هذا التصعيد منفردة في ظل انهيار الشركاء الآخرين في المحور الإيراني.
وعلى مدى الأسابيع الماضية جرت مناقشات مكثفة في الحكومة وفي مراكز الأبحاث الإسرائيلية عن الاستراتيجية المطلوبة لتحييد خطر الحوثيين، وبينما تعهد نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، بمواصلة الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل ضد الموانئ اليمنية التي تسيطر عليها الجماعة على فترات متقطعة منذ يوليو الماضي، والتعهد أيضاً بقتل قادتهم كما فعلت مع قادة حماس وحزب الله، فقد قدم الخبراء الإسرائيليون استراتيجية متعددة الجبهات لتحقيق نفس الأهداف، بعد أن تم حسم النقاش الذي أظهر انقساماً واضحاً حول هل ينبغي مواجهة الحوثيين عبر تشديد العمليات العسكرية ضدهم بما في ذلك الدفع بسلاح البحرية الإسرائيلية كعنصر رئيسي في الحرب، أم البدء بتوسيع المواجهة مع إيران باعتبارها هي المسؤولة عن استمرار الهجمات ضد إسرائيل؟
وانتهت تلك المناقشات باستبعاد أن يكون ضرب إيران، والقضاء على مشروعها النووي يمكن أن يردع الحوثيين بالتبعية. على أساس قناعة هؤلاء الخبراء بأن قرار الحوثيين مستقل بشكل نسبي عن إيران، وأن هدفهم من ضرب اسرائيل يكمن في نيل شرعية داخلية في اليمن تمنحهم الفرصة للمساومة على التوقف عن تلك الهجمات مقابل الاعتراف بحقوقهم السياسية كطرف رئيسي في أي تسوية مقبلة للازمة اليمنية. لقد تبدي الحسم في هذا الجدال واضحاً ولصالح الفصل بين تشديد المواجهات المباشرة مع إيران، وبين التركيز الضروري والمستقل على الجبهة مع الحوثيين.
   ففي 29  ديسمبر الماضي كتب المحلل الإسرائيلي إيال زيسر مقالاً في صحيفة يسرائيل هايوم قال فيه: من الواضح اليوم أن الجبهة السابعة ضدنا تحولت إلى ساحة تهديد مركزي يتعين على إسرائيل أن تحقق فيها الحسم إذا كانت تريد ترميم قدرتها على الردع في المنطقة المحيطة بها، وإزالة سيف التهديد الإيراني المسلط على رقبتها. أصبحت الساحة اليمينة مهمة، ليس فقط لأن إسرائيل هزمت أو ردعت أعداءها في ساحات المواجهة الأُخرى، وبالتالي، باتت تستطيع التركيز على الساحة اليمنية، بل أيضاً تكمن الأهمية التي يجب أن نولي الحوثيين إياها، في أنهم أصبحوا يشكلون تهديداً حقيقياً يزداد خطورة على حياة المواطنين في إسرائيل، وأيضاً على الاستقرار الإقليمي.
وفي 31 ديسمبر الماضي، نقلت صحيفة التايمز عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن إسرائيل تدخل الآن بشكل كامل في حرب مع أنصار الله (الحوثيين)، ووفقاً للتقرير نفسه، فقد أكد المصدر الأمني أن هناك خطة بخطوات تصعيدية ضد الحوثيين، وتحدث عن نية مؤكدة من جانب إسرائيل وشركائها الدوليين لمواجهة الحوثيين بشكل كامل.
وقد نشر الباحث الإسرائيلي داني سترينوفيتش  Danny Citrinowicz من معهد دراسات الأمن القومي بتاريخ الأول من يناير الماضي، تصوراً شاملاً للاستراتيجية المطلوبة لمواجهة الحوثيين وحددها في النقاط التالية:
 الإستمرارية: يجب أن تكون الجهود ضد المنظمة الإرهابية اليمنية مستدامة ومستمرة، بغض النظر عما إذا كان الحوثيون يهاجمون إسرائيل أم لا. حيث يجب أن تشعر هذه الجماعة بالتهديد الدائم وإجبارها على الدفاع عن نفسها بالأساس، كما ينبغي لإسرائيل أن تفكر في زيادة وجودها الدائم في منطقة البحر الأحمر، وتنفيذ ضربات مستمرة في اليمن، بدلا من الاكتفاء بهجمات متفرقة ذات تأثير محدود بشكل واضح.
التنسيق: بإقامة تحالف واسع من الدول المضارة من أنشطة الحوثيين، ويجب على هذا التحالف اعتماد أنماط تشغيلية جديدة للاستفادة من قرب بعض أطرافه من اليمن. حيث يمكن للضربات التي سيوجّهها أن تضر بشكل كبير بنظام الحوثي.
تنويع الأهداف: يجب إعطاء الأولوية لاغتيال القيادات الحوثية. كما يجب أن تشعر قيادة الحوثيين بالخطر المباشر على حياتهم الشخصية، وخاصة أفراد القبيلة التي يقودها عبد الملك الحوثي وإخوته، الذين يشغلون أدواراً قيادية عليا في اليمن.
إيران: لا ينصح بمهاجمة إيران مباشرة. ومع ذلك، ينبغي اتخاذ إجراءات لمنع إيران من تقديم الدعم العسكري للحوثيين. يمكن أن يشمل ذلك استهداف عملاء فيلق القدس الإيراني في اليمن، بقيادة عبد الرضا شاهلاي، الذي لعب دوراً مهما في بناء القدرات العسكرية الحوثية.
الإستخبارات: أحد أهم التحديات في مواجهة الحوثيين هو توليد معلومات استخباراتية عالية الجودة في الوقت الفعلي لاستهداف الأصول الحيوية للنظام. إلى جانب تعزيز هذه القدرات، من الضروري تعزيز العلاقات مع دول الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. حتى لو لم تتمكن هذه الدول من التصرف مباشرة ضد الحوثيين، فإن معرفتهم الواسعة بهم  يمكن أن توفر معلومات استخباراتية حاسمة.
بالإضافة لهذه التوصيات الخمس التي قدمها سترينوفيتش، عرضت بعض الآراء الأخرى عناصر أخرى مطلوبة في الاستراتيجية الإسرائيلية وهي:

نموذج داعش والتي تعني أنه كما في الحرب ضد تنظيم "داعش"، فإنه يجب تجنيد ائتلاف محلي يعتمد على 70% من سكان اليمن الذين هم ضد الحوثيين، من أجل السيطرة على شمال اليمن والإطاحة بحكمهم. حيث يوجد في جنوب اليمن حكومة تعتبر الحوثيين أعداء لها، وإلى جانب ذلك، فهناك السعودية ودول الخليج الأُخرى التي تنتظر الفرصة لطرد الذراع الإيرانية الموجودة في باحتهم الخلفية. ويجب أن تتولى الولايات المتحدة قيادة هذا التحرك الإقليمي والدولي بمساعدة إسرائيل. والمطلوب ليس ضرب الحوثيين فقط، بل أيضاً يجب الإطاحة بحكمهم.

ورغم أن هذه الاقتراحات أو التصورات التي يقدمها الباحثون لن تكون بالضرورة، هي ما ستتبناه الحكومة الإسرائيلية رسمياً كإستراتيجيه لمواجهة الحوثيين، إلا أن تصريحات نتنياهو الذي يؤكد فيها على أن تحييد خطر الحوثيين لن يكون مسؤولية إسرائيل وحدها، توضح أن الاتجاه الأقرب هو العمل وفق أغلب النقاط  التي طرحها داني سترينوفيتش، وغيره من الباحثين، كونها تشكل استراتيجية متكاملة، ومتسقة مع واقع ما يمثله الحوثيين من خطر دائم على أمن وسلامة المنطقة والعالم.

   
 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات