Home Estimates انعكاسات الضغوط: هل يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين؟
انعكاسات الضغوط: هل يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين؟
Estimates Security Trends

انعكاسات الضغوط: هل يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين؟


يكشف إعلان قوات المقاومة الوطنية اليمنية، في 17 يوليو 2025، عن ضبط شحنة أسلحة إيرانية ضخمة تضم نحو 750 طناً من المعدات والذخائر، كانت في طريقها إلى معاقل مليشيا الحوثيين، أن الضغوط الإقليمية والدولية تتزايد على إيران من أجل كبح جماح نفوذها الإقليمي، الذي تعرَّض لضربات قوية خلال المرحلة الماضية، خاصة بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، في 8 ديسمبر 2024، والقضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحزب الله اللبناني، وانخراط إيران نفسها في حرب مباشرة مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 13 إلى 24 يونيو 2025.
ورغم أن ضبط شحنة أسلحة إيرانية متجهة إلى الحوثيين لا يعبر عن ظاهرة جديدة، حيث سبق أن ضبطت شحنات أسلحة سابقة من قبل أطراف عديدة، إلا أن التطور الأخير اكتسب أهمية وزخماً خاصاً، لا سيما أن الشحنة – حسب ما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية التي أشادت بالعملية – هى الأكبر في تاريخ إحباط تهريب الأسلحة إلى المليشيا، وهو ما يطرح دلالتين: الأولى، تتمثل في أن إيران ربما تتجه – على عكس ما أشارت تقديرات عديدة – إلى توسيع نطاق الدعم العسكري الذي تقدمه للمليشيا الحوثية. 
والثانية، تتعلق باحتمال تكرار ضبط هذه الشحنات خلال المرحلة القادمة، في ظل تزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بما يجري في اليمن، خاصة بعد أن فرضت العمليات الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب تهديدات مباشرة لحركة التجارة والملاحة، والتي وصلت ارتداداتها سريعاً إلى مختلف أنحاء العالم.

 

دوافع عديدة
على ضوء ذلك، يمكن القول إن إيران ليست في وارد التراجع عن تقديم مزيد من الدعم للمليشيا الحوثية. وربما لا يمكن استبعاد أن تكون قد نجحت فعلاً – بالتوازي مع ضبط بعض شحنات الأسلحة – في تهريب شحنات أخرى إلى داخل معاقل الأخيرة. ويعني ذلك أن كل الضغوط التي تتعرض لها إيران في المرحلة الحالية لن تثنيها عن التمسك بهذه السياسة، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء دوافع عديدة:

  1. الاستعداد لجولة جديدة من الحرب: انتهت الجولة الأولى من الحرب المباشرة بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بوقف إطلاق النار بين الأطراف الثلاثة في 24 يونيو 2025. لكن النتائج الحقيقية لهذه الحرب لم تتضح بعد، خاصة أن كل طرف من الأطراف الثلاثة يتمسك برواية مختلفة في هذا الصدد.
    إذ ما زالت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مصرتين على أنهما وجهتا ضربات قاصمة للبرنامج النووي الإيراني، لا سيما المفاعلات الثلاثة: فوردو وأصفهان ونطنز، على نحو كان له دور في تأخير البرنامج لسنوات عديدة، إن لم يكن تدمير الجانب الأكبر منه. ويتوازى ذلك مع ادعاء إسرائيل أنها دمرت منظومات الدفاع الجوي الإيرانية وقتلت قيادات عسكرية بارزة في الحرس الثوري والجيش، فضلاً عن بعض العلماء النوويين. 
    لكن في مقابل ذلك، ما زالت إيران بدورها مصرة على أن الضربات أنتجت تأثيرات محدودة على الأرض، وأنها لم تؤد إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، خاصة أنها نجحت قبل اندلاع الحرب – حسب مزاعم مسؤوليها – في نقل اليورانيوم المخصب – لا سيما بنسبة 60% - من المفاعلات التي تعرض للضربات إلى منشآت نووية أخرى. كما أنها وجهت ضربات صاروخية قوية إلى داخل إسرائيل تسببت في خسائر بشرية ومادية غير معهودة بالنسبة للأخيرة.
    من هنا، تبقى محفزات تجدد الحرب مرة أخرى قائمة وبقوة. فإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية قد تسعيان إلى شن ضربات عسكرية جديدة ضد إيران، أولاً بهدف القضاء على ما تبقى من البرنامج النووي، وثانياً من أجل تدمير البرنامج الصاروخي. 
    وهنا، يكتسب الدور الذي تمارسه المليشيا الحوثية أهمية خاصة بالنسبة لإيران. فرغم أن المليشيا لم تنخرط بشكل مباشر وواسع النطاق في الجولة الأولى من الحرب بين طهران وكل من تل أبيب وواشنطن، إلا أن ذلك قد يتغير في حالة نشوبها مجدداً، خاصة أن الجولة الجديدة المحتملة ربما تكون أكثر قوة واتساعاً من الجولة التي انتهت بالفعل، وهو ما يعني أن المليشيا قد تنخرط بشكل واسع النطاق في الجولة الجديدة من تلك الحرب.
  2. إصرار طهران على تحدي واشنطن وتل أبيب: رغم كل الضربات القوية التي تعرضت لها إيران على مدى واحد وعشرين شهراً منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، إلا أن ذلك لا يبدو أنه سوف يدفعها إلى إجراء مراجعة لسياستها الخارجية، لا سيما في اتجاه تقليص الدعم الذي تقدمه لوكلائها في المنطقة. 
    وقد بدا واضحاً أن إيران حريصة على توجيه رسائل مستمرة إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تفيد أنها لن تجري تغييراً في سياستها. وانعكس ذلك في التصريحات المتكررة للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي ظهر علناً للمرة الثانية منذ انتهاء الحرب، وذلك في 17 يوليو 2025، عندما التقى ممثلي السلطة القضائية، حيث قال أن "إيران قادرة على توجيه ضربات إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى أشد وطأة من تلك التي نفذتها خلال فترة الحرب".
    وربما لا يقصد خامنئي هنا فقط توجيه تهديدات مباشرة إلى واشنطن وتل أبيب بأن أى محاولة لشن جولة جديدة من الحرب سوف تكون كُلفتها عالية، وإنما تأكيد أن إيران ما زالت مصرة على تبني السياسة نفسها، سواء فيما يتعلق بالبرنامجين النووي والصاروخي، أو ما يتصل بتقديم الدعم لوكلائها في المنطقة. 
    وإذا كانت هناك صعوبات في تقديم هذا الدعم لبعض الوكلاء بالفعل، على غرار حزب الله، بسبب التوازنات السياسية الداخلية في لبنان التي قد تحول دون ذلك، فضلاً عن المراقبة الصارمة من جانب إسرائيل لأجواء وحدود لبنان المختلفة، فإن الأمر قد يكون مختلفاً في حالة الحوثيين.
    صحيح أن عمليات ضبط شحنات الأسلحة ما زالت مستمرة، لكن ذلك لا ينفي أن قدرة إيران على تهريب مزيد من الأسلحة إلى  معاقل الحوثيين ما زالت قائمة، وأن سيطرة المليشيا على بعض المرافق الحيوية في اليمن يساعد الطرفين على مواصلة عمليات التهريب.
  3. الاستعداد لإحداث صدمة اقتصادية عالمية: رغم أن إيران وجهت تهديدات مباشرة بإمكانية إقدامها على إغلاق مضيق هرمز، إلا أنها لم تقدم على ذلك خلال الجولة الأولى من الحرب. لكن العزوف عن محاولة إغلاق المضيق قد لا يعبر عن سياسة مستقرة لدى طهران، التي ربما تستعد لهذا الخيار في حالة تجدد الحرب مرة أخرى مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
    وفي رؤية طهران، فإن هذه الخطوة سوف تفرض تأثيرات مباشرة على مستوى العالم، خاصة لجهة ارتفاع أسعار الطاقة، حيث يعبر من المضيق خُمس استهلاك العالم من النفط يومياً (حوالي 20 مليون برميل نفط). ومن دون شك، فإن هذه التداعيات سوف تتضاعف في حالة ما إذا تصاعد حدة التهديدات الحوثية لحركة التجارة في البحر الأحمر أيضاً، على نحو يمكن أن يساهم في تعزيز موقع إيران خلال أى مواجهة عسكرية قادمة.
    ورغم أن هناك تقديرات عديدة تشير إلى محدودية قدرة إيران على التسبب في أزمة اقتصادية عالمية، فضلاً عن أن القوى الدولية المتواجدة عسكرياً في مياه الخليج العربي لن تسمح لها بامتلاك هذا الخيار أو على الأقل بمواصلة إغلاق المضيق في حالة إقدامها على هذا الإجراء، إلا أن ذلك في مجمله لم يثنها عن مواصلة التلويح بهذا الخيار بالفعل، بدليل التصريحات التي يدلي بها بعض مسؤوليها وتفيد انتهاءها من دراسة أبعاد هذا الخيار، بما يتضمن عوائده وكُلفته في آن واحد.
  4. استغلال غموض الاستراتيجية الأمريكية: تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً لوقف تهديدات الحوثيين لحركة التجارة في البحر الأحمر، إلا أن ذلك لا ينفي أنها لا تتبنى استراتيجية واضحة المعالم إزاء الوضع في اليمن، وفي البحر الأحمر بشكل عام، وما يتصل بذلك من العلاقة القوية بين إيران والحوثيين. وقد بدا ذلك جلياً في مسارعة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إبرام اتفاق وقف إطلاق نار منفرد مع مليشيا الحوثيين في 6 مايو 2025، لم يمنع الأخيرة من مواصلة هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل، الحليف الرئيسي لواشنطن في المنطقة.
    هنا، تبدو إيران مطمئنة بدرجة كبيرة إلى أن هذا الغموض، وربما الارتباك، في الاستراتيجية الأمريكية، يعزز موقفها في اليمن ونفوذها لدى مليشيا الحوثيين. وربما يتزايد هذا الاطمئنان في حالة ما إذا نجحت بدورها في إبرام صفقة جديدة مع إدارة ترامب حول برنامجها النووي.
    وهنا، فإن هذا الغموض والارتباك يوجه إشارات إلى إيران تفيد أن نفوذها في اليمن ليس محل اهتمام واسع من جانب واشنطن، وأنها يمكن أن تعمل على تعزيز هذا النفوذ، طالما أنه لا يمس المصالح أو القطع العسكرية الأمريكية بشكل مباشر.

ختاماً، يمكن القول في النهاية إن إيران لا تملك "ترف" التراجع عن مواصة تقديم الدعم العسكري لمليشيا الحوثيين. وحتى في حالة ما إذا ضبطت شحنات أسلحة جديدة، فإن ذلك لن يثنيها عن مواصلة السياسة نفسها، لا سيما أن تعزيز التمدد في الخارج يعد أحد الأركان الرئيسية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي لا يستطيع التغاضي عنه بسهولة. 

The stated views express the views of the author and do not necessarily reflect the views of the Center or the work team.

Comments
انعكاسات الضغوط: هل يتراجع الدعم الإيراني للحوثيين؟ - | Yemen & Gulf Center for Studies