لم تكن الضربات العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد مواقع حركة "أنصار الله" الحوثية في خمس محافظات يمنية هى صنعاء والحديدة وتعز وصعدة وحجة، بداية من 12 يناير الجاري (2024)، مفاجِئة ليس للمراقبين فحسب وإنما أيضاً للمليشيا اليمنية وكل القوى المعنية بما يجري من تصعيد في البحر الأحمر.
فقد سبق تلك الضربات إعلانات أمريكية وبريطانية متكررة تفيد اقتراب موعد تنفيذها، بل يمكن القول إن الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في منطقة الشرق الأوسط وانتهت قبل يوم واحد من شن هذه الضربات، كان عنوانها الرئيسي هو الملف اليمني، رغم إلحاح وأهمية الملف الآخر الخاص باستمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والتصعيد المتواصل بين إسرائيل والمليشيات الموالية لإيران في دول عربية مختلفة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وفي الواقع، فقد فتحت هذه الضربات، التي تجددت في اليوم التالي وقد تتواصل في الأيام المقبلة، الباب أمام مسارات متعددة سواء للتصعيد في البحر الأحمر، أو للصراع المفتوح بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وإيران وتلك المليشيات من جهة أخرى.
دلالات عديدة
تطرح هذه الضربات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد مليشيا "أنصار الله" الحوثية دلالات عديدة ترتبط بحسابات واشنطن إزاء الصراع "المفتوح" في منطقة الشرق الأوسط وموقع الأطراف المختلفة منه، ويتمثل أبرزها في:
متغيران رئيسيان
على ضوء ذلك، يمكن القول إن مدى استمرار التصعيد العسكري الأمريكي والبريطاني في اليمن حالياً سوف يعتمد على متغيرين أساسيين: أولهما، رد الفعل المتوقع من جانب المليشيا الحوثية. فبناء على ذلك سوف تتحرك واشنطن ولندن. وهنا، فإن تصريحات القيادات الرئيسية في المليشيا توحي بأن الأخيرة سوف تسعى إلى رفع كلفة هذه العمليات عبر مواصلة هجماتها في البحر الأحمر.
وثانيهما، حسابات إيران إزاء امتداد التصعيد إلى اليمن، حيث أنها ما زالت حتى الآن حريصة على ضبط حدود انخراط وكلائها في التصعيد ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهو حرص يرتبط بعدم رغبتها في توسيع نطاق التصعيد الحالي أو الانخراط فيه بشكل مباشر.
لكن استمرار الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد قياداتها في مناطق نفوذها، فضلاً عن احتمال استئناف الأخيرة عملياتها الأمنية والاستخباراتية داخل حدودها لاستهداف المنشآت النووية والعسكرية، إلى جانب تصاعد حدة الضغوط الأمريكية على وكلائها، كل ذلك قد يكون كفيلاً بحدوث تغيير في تلك الحسابات، خاصة أن إيران ووكلائها يدركون أن الولايات المتحدة الأمريكية قد لا يكون لديها خيارات كثيرة في المرحلة الحالية، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر القادم.
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات