"التغييرات الجذرية".. إحكام القبضة الحوثية على السلطة أم توجّه نحو الإصلاح؟
في 27 سبتمبر/أيلول، أعلن زعيم جماعة الحوثيين "عبد الملك الحوثي"، بدء "تغييرات جذرية" تستهدف مؤسسات السلطة، بعد مضي تسع سنوات من فرض الجماعة المسلحة نفسها كسلطة أمر واقع في صنعاء وعدد من المحافظات شمالي اليمن، عقب انقلابها على الحكومة المعترف بها دولياً، وتشكيلها مع المؤتمر الشعبي العام فرع صنعاء في أكتوبر ٢٠١٦ حكومة "الإنقاذ الوطني"، وهي حكومة صورية غير معترف بها أوكل اليها مهام تصريف الأعمال، فيما احتكر الحوثيون عملياً مهام تسيير السلطة وتنظيمها.
ويأتي إعلان الحوثيين للتغيير الجذري في ظل أطول تهدئة في الصراع مستمرة منذ 18 شهراً، ومحادثات لإنهاء الحرب، وتنامي حالة من السخط الشعبي في مناطق سيطرتهم بسبب تفشي الفساد وسوء استغلال السلطة، والفشل الذريع في إدارة الحياة اليومية للمواطنين، بالإضافة لتصاعد الخلافات داخل الجماعة، وتضرر تحالفاتها الداخلية.
تهدف هذه الورقة الى الإجابة عن الأهداف والدوافع من التغييرات الجذرية التي أعلنها الحوثيون، وإن كانت مخرجاتها تعزز سلطويتهم الشمولية على السلطة من خلال اقصاء شركائهم وبالتحديد المؤتمر الشعبي العام (جناح صنعاء)،* أم أنها تحمل مؤشرات لتوجه الجماعة نحو الإصلاح لتعزيز تماسك الجماعة من جهة، وتوحيد الجبهة الداخلية من خلال توسيع المشاركة في السطلة، وتحسين جودة الحياة المتدهورة في المناطق التي يسيطرون عليها من جهة أخرى؟
أولاً، طبيعة التغيرات الجذرية:
على صعيد المرجعيات، ينبغي الإشارة الى أن الجماعة لا تعمل بقواعد الدستور اليمني (١٩٩٠)، كما أنه لا يوجد لديها قواعد دستورية/قانونية ناظمة تحدد طبيعة مهام وصلاحيات شاغلي السلطة يمكن الرجوع اليها لدراستها.. وبشكل عام نلحظ ثلاثة مستويات من المرجعيات ـالفوق بشريةـ تنظم سلطة الجماعة، كالتالي:
أولاً النص القراني: يملك الحوثيون شكلاً متخيلاً للسلطة المطلقة الممنوحة من الله، أزلية وثابتة في نسل الصحابي علي بن ابي طالب، وكبقية جماعات الإسلام السياسي المسلحة، يتبنى الحوثيون النص القراني مرجعية حاكمة، وفق سردية تأويلية خاصة بالإسلام الشيعي (الاثنى عشري)، وثانياً: بالإضافة للأعلام الشيعة، تحتل ملازم المؤسس حسين بدر الدين الحوثي مركزية في فكر الجماعة، وتعد مرجعية موازية شارحة للنص، ومتممة له أيضاً. وثالثاَ، يحتل "الإمام" مركزية في الفكر الحوثي بشكل خاص، والشيعي بشكل عام. وخلال سنوات الحرب، عملت الجماعة على مركزة السلطة في قبضة زعيمها الشاب، وسعت الى تأليهِ، فهو الإمام العَلَم وقائد الثورة وسبط النبي، يعمل فوق الشبهات وكل أنواع المساءلة، وبالتالي يعد مرجعية ثالثة.
وعلى صعيد السياسات، لا توجد خطة مُعلنة لطبيعة التغيرات الجذرية التي تخطط الجماعة للقيام بها، عدا أنها ستمر بعدة مراحل، ويحتفظ مكتب زعيم الحوثيين بالتفاصيل. وحددت الجماعة الأسس والمنطلقات للتغيرات: الهوية الإيمانية، والرؤية الجامعة، في إطار القواسم المشتركة. [1]
وقد أعلن عن المرحلة الأولى والتي بدأها بإقالة حكومة بن حبتور. وتشير تقارير إلى أن هذه المرحلة تشمل تغيّرات في السياسات العامة القديمة والأنظمة واللوائح في مختلف الأجهزة الحكومية، وفي المنظومتين القضائية والعامة، والسياسات الاقتصادية. [2] ووصفت بمرحلة "التمهيد"،[3] نشير إلى طبيعتها في التالي:
تشكيل حكومة جديدة: ويبدو أن الهدف منح المسؤولية للأكثر ولاءاً، فالحكومة كما المجلس السياسي الأعلى - هيئة توازي رئاسة الجمهورية- بالشراكة مع حلفائهم في "مؤتمر صنعاء" وهي شراكة لم تكن لترضي الحوثيين إذ دائماً ما اعتبرتهم "اتباع النظام السابق" أو "الطابور الخامس". كما يبدو أنها تهدف للاستحواذ على أموال إعادة الإعمار بعد الحرب. [4]
وبالإعلان عن التغيّرات الجذرية وإقالة الحكومة، يقدم زعيم الحوثيين نفسه كمسؤول أعلى من "رئاسة الجمهورية"، لتخضع له السلطة التنفيذية، ويرسم السياسات العامة، وهي تشبه إلى حد كبير صلاحية منصب المرشد الأعلى في إيران. [5]
تغيّرات في القضاء: تمثل المؤسسات القضائية أهمية بالغة للحوثيين، فهي تريد انفاذ تعاليمها الطائفية في القوانين وإحكام سيطرتها عليه. كما تريد تمكين الموالين لزعيم الجماعة خشية استخدام القضاء لاحقاً من قِبل تيارات أخرى داخل المذهب الزيدي. ووجه زعيم الحوثيين أن يستوعب الجهاز القضائي: كوادر علماء الشرع الإسلامي [6] في مسعى لتحقيق ذلك.
السياسات الاقتصادية: سعى الحوثيون خلال سنوات الحرب الى بناء نظام اقتصاد حرب بدلاً من الاقتصاد النظامي، عملوا من خلاله على خلق طبقة ريعية من داخل الجماعة منافسة للرأسمال الوطني، كما قاموا بتأسيس جيوب إيراديه وجبايات متعددة يجري انفاقها لمصلحة أهداف الجماعة بشكل غير معلن عنه، حيث لم تعلن الحكومة التابعة لهم الموازنات السنوية (٢٠١٥-٢٠٢٣٩)، ولم يتم الإفصاح عن اليات الإنفاق.
ومن المرجح بأن التغييرات تهدف الى تعزيز حماية نظام الجباية، ويعد قانون "الخُمس" الذي يمنح "الهاشميين" الخُمس من ركائز الأرض أحد أبرز القرارات التي تم اتخاذها من قبل الجماعة، بالإضافة الى "المعاملات الربوية" الذي ينهي اقتصاد السوق الحر. وعقب الإعلان عن التغيرات الجذرية شرّعت الجماعة لنفسها تعديلات لثلاثة قوانين "الضرائب، الجمارك، المالية العامة"! تمنح رئيس "المجلس السياسي الأعلى" حق إصدار قرارات بضرائب جديدة أو زيادة في الجمارك ما يعني جبايات جديدة مخالفة للدستور. [7]
تغيّر السياسات العامة واللوائح الإدارية: تغيير السياسات العامة للبلاد مهمة يفترض أن تقوم بها الحكومة والرئاسة بموافقة مجلس النواب، ومستندة إلى الدستور. قيام مكتب زعيم الحوثيين بصناعة سياسات عامة، محاولة لتقليد نظام الحكم في إيران. تبعاً لذلك ستقوم الجماعة بتغيير اللوائح الإدارية في مؤسسات الدولة، بما يتناسب وأيدولوجيتها. وسبق أن فرضت "مدونة السلوك الوظيفي" [8] والتي تقوم انتهاك الحريات العامة، والمعتقدات الدينية التي يؤمن بها الحوثيون دون احترام لمعتقدات وانتماءات الموظفين.
ثانياً، التغيّرات الجذرية وتحديات الجماعة:
لا يعرف كيفية صناعة القرار داخل قيادة الحوثيين، ما نحن متأكدين منه أن وضعها الداخلي بعد الحرب أكثر هشاشة وضعف مما كانت عليه. وهو ما دفع زعيم الحوثيين والدائرة الضيقة حوله لإحداث تغيّرات جذرية. ونشير إلى عدد من التحديات وعلاقتها بالتغيّرات الجذرية:
تآكل الجماعة: عادة ما تزيد الإيرادات المتولدة من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة جشع قادة المتمردين نحو الثراء فيما تفقر الأمة؛[9] والحوثيون ليسوا استثناءً، حيث أصبح قادة الجماعة يعيشون في ثراء فاحش، فيما يعاني أنصارهم وعائلاتهم وبقية اليمنيين من الفقر. وهو ما خلق تصدعات داخل الجماعة على مستويين رئيسيين:
الأول، فتحت الهدنة الطويلة عيون معظم المقاتلين وقادتهم المباشرين، حيث يشعرون أنهم كانوا وقوداً للحرب فيما يحصد آخرون مكافئات تلقيهم وأفرادهم للرصاص. [10] فمع عودة كثيرين إلى منازلهم وتفاجؤوا بثراء قادة الجماعة والامتيازات التي يملكونها. دفعهم ذلك لتقديم طلبات لزعيم الجماعة إما استيعابهم وأفرادهم في مؤسسات الدولة أو لن يعودوا للقتال. ما يعني فقدان أنصار الجماعة ومقاتلوها الثقة بسلوك قيادتهم.
الثاني، الجشع على السلطة والثروة أدى إلى تنافس ونزاع حاد حول الصلاحيات بين قادة الصف الأول والثاني. أبرزها خلافات طرفين رئيسيين يمثل الأول "أحمد حامد" (أبو محفوظ) مدير مكتب مهدي المشاط (رئيس المجلس السياسي الأعلى)، والطرف الثاني محمد على الحوثي (أبو أحمد) عضو المجلس السياسي الأعلى وقائد اللجنة الثورية العليا -سابقاً-. حيث ركز (أبو محفوظ) المؤسسات الإيرادية والوظيفة العامة بين يديه؛ وتصل الجمارك وحدها إلى 1.8 مليار دولار سنويا. فيما يمتلك طرف (أبو أحمد) نفوذاً أقل بكثير في مؤسسات الدولة، وبعض المنافذ الإيرادية والمراكز المالية الجديدة. وعمل الأول على تجفيف مؤسسات الدولة من الموالين للطرف الثاني.
وكان لإقالة الحكومة عبر مجلس الدفاع الوطني (الحوثي) وليس المجلس السياسي الأعلى انحياز من "مكتب الحوثي" إلى صف (أبو محفوظ)، وإقصاء طرف (محمد علي الحوثي). في الوقت ذاته يبدو أن المرحلة الأولى من التغيّرات الجذرية استجابت لغضب القادة الميدانيين العائدين من جبهات القتال، فحسب قيادي فإن أوامر التوظيف حُصرت بمكتب زعيم الجماعة فيما مهمة الحكومة "تصريف أعمال". [11]
مشروعية القائد: عادة ما تسبب منصب "الإمامة" في الزيدية صراعاً بين رموز الهاشمية السياسية طوال فترة الحكم "الإمامي" لليمن. [12] وعبدالملك الحوثي الأقل عِلماً وفقهاً. لذلك يحرص على استخدام المناسبات الدينية لتأكيد المشروعية في الحكم-كما كان يفعل الأئمة قبل 1962م. لذلك ليس من قِبيل المصادفة الإعلان عن التغييرات الجذرية في المولد النبوي.
يسلط ذلك الضوء على مخاوف زعيم الحوثيين من منافسة محتملة على مكانته، وحاجته لتأكيد مشروعية سلطته بصفته القائد والإمام. خاصة مع زيادة شعبية محمد عبد العظيم الحوثي (أحد أبناء عمومته) -وتشير تقارير إلى اعتقاله قبل أيام من إعلان التغيّرات-، [13] وتزايد قوة تيار "محمد علي الحوثي".
وبفرض هالة من القدسية على قراراته يريد عبد الملك الحوثي معالجة أي عصيان لجهوده في معالجة تأثير الحرب على الجماعة خشية حدوث تشققات تؤدي لإضعافها.
فشل الحوكمة: منذ سيطرتهم على صنعاء 2014، خلق الحوثيون تيارين من الحوكمة -الأول مؤسسات الحكومة والثاني مؤسسات موازية- كلاهما مرتبطان بزعيم الحوثيين. وكان التغيير الأبرز إنشاء "نظام المشرفين"، وزرعته في كل مؤسسة بالدولة. ما أوجد قنوات متنافسة للسلطة المؤسسية يمنح عبد الملك الحوثي سيطرته على مؤسسات الدولة [14] بينما يتنافس قادة الحوثيين ضد بعضهم بعضاً ليكون مرجعية خلافاتهم ما يبعدهم عن فرص مواجهته.
كان لهذا النظام المتشعب تأثير سلبي على مؤسسات الدولة لتبدو وكأنها تدار من "قوى خفية". ولا يبدو أن التغيّرات الجذرية تعالج هذه المشكلة التي تؤثر بشدة على حياة اليمنيين في مناطق سيطرتهم بما في ذلك اقتصاد البلاد، بل توسعها لتعطيل القوانين والإجراءات النافذة.
ويرتبط موضوع الحوكمة بالاقتصاد، حيث خدمت سيطرة الحوثيين السياسية لبناء مراكز مالية جديدة، إلى جانب إدارتهم للأسواق السوداء والاستحواذ على إيرادات الدولة. وزاد من الأعباء على اليمنيين بكسرهم الدورة المالية الطبيعية برفضهم تسليم رواتب الموظفين الحكوميين وفرض قيمة غير صحيحة للريال وفرض الجبايات، التي باستمرارها ومحاربة رؤوس الأموال الوطنية لصالح مراكز الجماعة المالية الجديدة، غادر أو توقف راس المال الوطني البلاد؛ وكرسوا هيمنتهم بالسيطرة على الغرفة التجارية في صنعاء.
الافتقار إلى الحلفاء: منذ 2014 تمكن الحوثيون من الوصول إلى صنعاء وإدارة مناطقهم عبر تحالفات مع مجموعة واسعة من الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية-القبلية والعسكرية. بعد سنوات الحرب أصبحوا معزولين مع قيامهم بنقض معظم تلك التحالفات، بما في ذلك الحاضنة التقليدية المفترضة للجماعة في العائلات الهاشمية وشيوخ القبائل والتجار. وكان فشل الحركة في الحوكمة، والسلوك العدائي تجاه الحلفاء دوافع رئيسية تحذر من التحالف معهم؛ ومصدراً لسخط اليمنيين في مناطق سيطرتهم بما في ذلك أعضاء البرلمان الموالين لهم. وخرجت تظاهرات نادرة بمناطق سيطرتهم تندد بحكم الجماعة وتحذر من عودة نظام الإمامة من جديد.
حزب (مؤتمر-صنعاء) الذي منح الحوثيين الغطاء السياسي للسيطرة على صنعاء كان أبرز الخاسرين. وقبيل إعلان التغيّرات الجذرية فتح رئيس الحزب صادق أمين أبوراس غضبه من سلوك حلفاءه منتقداً "المشاط"، وطالبهم بتسليم رواتب موظفي القطاع العام من إيرادات الدولة، [15] ووقف استهداف أنصار الحزب. وهي خلافات تزايدت مع رفض الحوثيين تداول رئاسة المجلس السياسي الأعلى، وعدم إشراك الحزب في محادثات السلام. [16]
ويبدو أن إعلان مجلس الدفاع الوطني التابع للحوثيين عن إقالة الحكومة، على الرغم أن تشكيلها جاء عبر المجلس السياسي الأعلى، إعلان بمرحلة جديدة لا يكون مؤتمر صنعاء شريكاً. ما يرسل ذلك برسالة بالغة القسوة للأطراف المناوئة لهم أن أي اتفاق شراكة في الحكم يكون الحوثيون فيه هم النظام والحكومة.
ليس مؤتمر صنعاء وحده ما جرى استهدافه، بل استهدف الحوثيون القيادة التقليدية للقبلية، حيث أنشأوا مؤسسات قبلية وموازية، وشيوخ قبائل بديلاً عن شيوخ القبائل المعروفين. وأنشأوا "مشرفي" القبائل، وغالبيتهم من "السادة/الهاشميين" الخصوم التقليديين لشيوخ القبائل. وشنوا حملات ضغط ليكونوا ضمن الجماعة، أو سيتم عزل "شيوخ وأعيان القبائل المعارضين لهم". [17] اعتبر شيوخ القبائل استهدافهم انتقام لدورهم في إنهاء نظام الإمامة وقيام النظام الجمهوري، ولن يمر ذلك دون تأثير كبير على مستقبل الجماعة.
بإعلانه عن التغيّرات الجذرية يحاول عبد الملك الحوثي امتصاص الغضب المتزايد داخل الجماعة وخارجها من فساد وفشل الجماعة بإلقاء اللوم على شكل النُظم والقوانين في مؤسسات الدولة. يمنح ذلك أنصاره آمال بتحقيق تطلعاتهم للوظيفة العامة، ويهدئ من غضب حلفاءه وسخط المواطنين في مناطق سيطرته على آمال احتمال تحسن الوضع. وهو فِعل مؤقت للغاية إذ سرعان ما تنكشف وتعود الخلافات والغضب من جديد.
ثالثاً، التداعيات:
تبعث التغيّرات الجذرية التي شرّع بها، تداعيات عديدة منها:
الأول: رغبة زعيم الحوثيين -وربما شرط جماعته- في أي اتفاق سلام مع خصومه أن يكون مشرفاً على الجميع، بصلاحيات تشبه إلى حد كبير المرشد الأعلى في إيران، وليس خصماً رئيسياً للأطراف. وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول (2023) أعلن النظام الإيراني استعداده تقديم الخبرة السياسية لجماعة الحوثي خلال المراحل القادمة. [18] يقلص ذلك إمكانية الوصول إلى اتفاق يمني مع الحوثيين، ويزيد من فرص تقسيم البلاد.
الثاني: تؤكد التغيّرات الجذرية على الهوية الإيمانية، ما يعني بناء التشريعات واللوائح الإدارية على أساس مذهب الجماعة. وتعزيز بقاء زعيم الجماعة "مرشد أعلى" هو في حقيقة الأمر ترسيخ لفكرة كونه "إمام" واجب الطاعة، يدفع منافسيه على المنصب بعيدا، ويفرض قراراته لإبقاء الجماعة متماسكة دون انشقاقات. لكن يمكن أن يدفع ذلك إلى قِتال داخل الجماعة على "الإمامة"؛ ومزيد من التمرد والغضب في صفوف الموظفين في القطاع العام، والقبائل -حتى ولو كانت في مناطق زيدية- إلى جانب رفض المحافظات الشافعية، ما سيبقى الجماعة المسلحة وحكمها معزولاً.
الثالث: لن تؤدي التغيّرات الجذرية إلى حوكمة فعلية، إذ تستمر "القوى الخفيّة" في تسيير الأمور. إذ أنه وحتى في حال نجاح "الحوثي" في حل الصراع على الثروة والسلطة داخل إلا أنه سيكون من الصعب نجاح وضع توليفة إرضاء للغاضبين لأنصاره في الوظيفة العامة إذ أن ذلك يثقل كاهل الجهاز الإداري للدولة ويستبدل الكادر المؤهل بموظفين غير قادرين. ما يؤدي إلى استمرار حالة التذمر والسخط من المواطنين والكيانات السياسية بما في ذلك مؤتمر صنعاء، مع اقتصاد غير فعال.
أخيراً.. على الرغم من أن الحوثيين يحاولون تقديم التغيرات الجذرية كمرحلة جديدة لنظام وسلطة جديدة، إلا أنه لا يمكن إغفال أنهم جماعة مسلحة متمردة تعاني بعد سنوات الحرب كأي كجماعة متمردة حدثت في أي دولة. ثنائية "التمرد والجشع" هو ما يبتلع الجماعات المسلحة من الداخل، لا يستطيعون إدارة دولة ويعرفون أن المجتمع الذي عاش سنوات الحرب لا يثق بهم وبمرور الوقت ستصبح التغيّرات الجذرية من حلّ إلى مشكلة يعاني منها الحوثيون باعتبارها حامل "بذور الفناء" لهيمنة الجماعة المسلحة.
* في بقية هذه الورقة يشار لحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح صنعاء) باختصار "مؤتمر صنعاء".
[1]السيد عبد الملك الحوثي يكشف موعد بدء التغييرات الجذرية باليمن، (الكوثر) نشر في 21/9/2023م وشوهد في 7/10/2023 على الرابط: https://www.alkawthartv.ir/news/326761
[2] الحداد، رشيد، الانفراج السياسي يفتح باب الإصلاح في صنعاء: حكومة جديدة لقيادة إعادة الإعمار (الأخبار اللبنانية)، نشر في 30/9/2023 وشوهد في 7/10/2023 على الرابط: https://al-akhbar.com/Yemen/370428
[3] المحرر السياسي لوكالة سبأ (الحوثية) التغيير الجذري ومرحلة التمهيد له في خطاب قائد الثورة، نشر في 30/8/2023 وشوهد في 7/10/2023 على الرابط: https://www.saba.ye/ar/news3260910.htm
[4]المحرر السياسي لوكالة سبأ، المصدر السابق.
[5] المادة (110) من الدستور الإيراني، واجبات وصلاحيات القائد الصادر عام 1979 (المعدل 1989)
قانون اساسی جمهوری اسلامی ایران مصوب ۱۳۵۸/۸/۲۴ با اصلاحات ۱۳۶۸/۵/۶ https://tinyurl.com/yvsqw9o5
[6] (نص+ فيديو) كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف 1445 هـ، (أنصار الله)، نشر في 27/9/2023 وشوهد في 7/10/2023 على الرابط https://www.ansarollah.com/archives/630449
[7] ناصر، محمد: انقلابيو اليمن يشرعنون جبايات جديدة... ويتجاهلون مطالب المعلمين (الشرق الأوسط) نشر في 12/10/2023 وشوهد في 13/10/2023 على الرابط: https://tinyurl.com/yscofhtu
[8] نص مدونة السلوك الوظيفي
https://www.saba.ye//storage/files/blog/1667842489_pTyQTA.pdf
[9] Collier P, Elliott VL, Hegre H, et al. (2003) Breaking the Conflict Trap: Civil War and Development Policy.p75 Oxford: Oxford University Press.
[10] لماذا تقاوم جماعة الحوثي السلام وتهرب إلى الحرب؟ (مركز أبعاد للدراسات والبحوث) نشر في 21/7/2023 وشوهد في 14/10/2023 على الرابط: https://abaadstudies.org/news-59963.html
[11]مسؤول في جماعة الحوثي يعمل في "رئاسة الجمهورية" تحدث لباحث مركز اليمن والخليج في جلسة مقيل يوم 10/10/2023م.
[12] يمكن الاطلاع على كتاب البتول، عبدالفتاح، خيوط الظلام عصر الإمامة الزيدية في اليمن (284-1382هـ)، طبعة 2007 (مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر) صنعاء.
[13] اعتقال عبدالعظيم الحوثي بتهمة التأمر مع السعودية، (الحديدة نيوز)، نشر في 3/9/2023، وشوهد في 10/10/2023 على الرابط: https://tinyurl.com/ykcsf9u9
[14]D. Johnsen, Gregory: From the Mountains, Into the Palace: The Houthis Won the War but Might Lose What Comes Next (AGSIW) 04/01/0023 See: 10/10/2023 Link: https://agsiw.org/wp-content/uploads/2022/12/Johnsen_Houthis_final.pdf
[15] لمعرفة تعقيدات الرواتب يمكن الاطلاع على: تعقيدات ملف الرواتب في اليمن (مركز اليمن والخليج) نشر في 22/9/2023 وشوهد في 13/10/2023
https://ygcs.center/ar/cat/estimates/article30.html
[16] (انفراد) صراع الحلفاء المتشاكسين… هل يسقط مؤتمر صنعاء “مهدي المشاط” من رئاسة المجلس الأعلى؟ (يمن مونيتور) نشر في 2/9/2023 وشوهد في 13/10/2023 على الرابط: https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/96150
[17] القيري، محمد، رسام: القبائل ستبدأ تنفيذ العزل الاجتماعي على الخونة والعملاء (الثورة نت- الصادر من صنعاء) نشر في 17/3/2016 وشوهد في 10/10/2023 على الرابط http://althawrah.ye/archives/383067
[18] خرازي يؤكد على استمرار دعم إيران للشعب اليمني " تأکید خرازی بر تداوم حمایت ایران از ملت مظلوم یمن" (قدس آنلاين) نشر في 1/10/2023 وشوهد في 13/10/2023 على الرابط: https://tinyurl.com/ypmarfm2
إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.
التعليقات