الرئيسية تقديرات التجنيد العابر للحدود: تواطئ روسي-حوثي في الزج بالشباب اليمنيين في الحرب مع أوكرانيا
التجنيد العابر للحدود: تواطئ روسي-حوثي في الزج بالشباب اليمنيين في الحرب مع أوكرانيا
تقديرات إتجاهات إقليمية ودولية

التجنيد العابر للحدود: تواطئ روسي-حوثي في الزج بالشباب اليمنيين في الحرب مع أوكرانيا

إن تتبع طرائق واليات تجنيد المرتزقة أو المتطوعين للقتال في النزاعات الدولية هو موضوع معقد يتطلب فهماً عميقاً للأساليب المتبعة من قبل الدول لاستقطاب هؤلاء الأفراد.
فالدول تستخدم مجموعة متنوعة من الطرق لجذب المرتزقة، وحتى مع ما يكشف من طرق وأساليب لعمليات التجنيد هذه فإن الإلمام بكل طرقها يمثل تحدياً كبيراً بسبب الطبيعة السرية لهذه العمليات، والتعقيدات القانونية والسياسية المحيطة بها. فالعديد من الدول والجماعات المسلحة تعتمد على شبكات غير رسمية ووسطاء لتجنيد الأفراد، مما يجعل من الصعب تتبع هذه العمليات وكشفها. هذا الغموض يزيد من تعقيد المشكلة، ويجعل من الصعب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات فعالة للحد من تجنيد المرتزقة والمتطوعين في النزاعات المسلحة.
ومن التعقيدات أيضاً توافر مجموعة محدودة من المصادر حول الموضوع المشار إليه في العنوان.  " الفيديو الذي يُظهر مجموعة من اليمنيين المغرر بهم والمكرهين على القتال في أوكرانيا كشف كيف أن الصراع يجذب بشكل متزايد جنودًا من الخارج مع تزايد الضحايا ومحاولات الكرملين تجنب التعبئة الكاملة" ويكشف عن طبيعة الحرب الخاطفة المنتصرة أو "العملية العسكرية الخاصة " بحسب الوصف الرسمي للكرملين، وكيف تحولت إلى حرب صعبة وطويلة الأمد. فالخسائر الفادحة لموسكو على مستوى القوى البشرية، والاقتصاد دفع بموسكو البحث عن الكثير من الوسائل لخفض تكاليف فاتورة حربها في أوكرانيا وارتداداتها على الداخل الروسي، حتى وإن كان ذلك على حساب سمعتها الخارجية، ومن هذه الوسائل تجنيد المرتزقة أو ما تطلق عليه موسكو بـ " المتطوعين". 


عمليات وظروف تجنيد العديد من مواطني الدول ومنها تجنيد المئات من اليمنيين للقتال لصالحها في أوكرانيا سلط الضوء على ما يتعرض له الكثير من الشباب اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في الخطوط الأمامية لجبهة الحرب في أوكرانيا، وعن الظروف البالغة القسوة التي يعيشونها، وكيف يتم استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن لإغراء الكثير منهم بوعود كاذبة على سبيل المثال الوظائف برواتب مرتفعة، وفرص الحصول على الجنسية الروسية، لكن عند وصولهم إلى روسيا يتم ارسالهم للقتال على الخطوط الأمامية في الشرق الأوكراني. 
أهمية هذا الموضوع تكمن في تأثيره العميق على الأوضاع الإنسانية والأمنية في اليمن، وكذلك تأثيره على التوازنات الإقليمية. كما أن طرق وأساليب التجنيد لليمنين تعكس تعقيدات الصراع في أوكرانيا، ويبرز حجم التحديات التي تواجهها الدول في التعامل مع النزاعات المسلحة واستغلال الأفراد في الحروب وعدم احترامها للقانون الدولي. صحيفة فايننشال تايمز كانت قد ذكرت أن روسيا استدرجت عدة مئات من اليمنيين للقتال ضد أوكرانيا من خلال شركة مرتبطة بجماعة الحوثيين المتمردة. وقال "المجندون" اليمنيون للصحيفة إنهم وُعدوا بوظائف جيدة الأجر والجنسية الروسية، ولكن عند وصولهم إلى روسيا، تم تجنيدهم قسراً في الجيش وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية. (1) وتشير العقود التي وقعها اليمنيون إلى شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار، المملوكة للواء عبد الولي الجابري، المحسوب على جماعة الحوثي، والمقرب من قيادتها. وبحسب سِجل الشركة ومقرها سلطنة عُمان، فإن تاريخ تسجيلها كان في الرابع من تشرين أول/أكتوبر 2022، وبرأس مال قدره 20 ألف ريال عُماني، أي ما يعادل 52 ألف دولار أميركي. (2) بالإضافة الى عدد من الشبكات الروسية التي تنشط في عمليات الاستقطاب للشباب.


ولمحاولة فهم استراتيجية موسكو لتعويض النقص في الموارد البشرية، يمكننا تتبع تنامي خطاب القيادة الروسية الراغب في تجنيد الكثير ممن تسميهم موسكو بالمتطوعين". ففي 11 مارس 2022، أيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فكرة إرسال متطوعين إلى أوكرانيا. وقال في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي: "إذا كان هناك أشخاص يريدون القدوم على أساس طوعي، "ليس من أجل المال"، وتقديم المساعدة للأشخاص الذين يعيشون في دونباس، فيجب علينا أن نلتقي بهم في منتصف الطريق ونساعدهم على الانتقال إلى  منطقة القتال.(3) وفي الرابع من كانون الثاني/يناير 2024، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يمنح الجنسية الروسية للمواطنين الأجانب، الذين وقعوا عقوداً لمدة عام مع الجيش الروسي ووزارة الدفاع؛ وذلك لاستقطاب المزيد من المجندين من خارج روسيا، للانضمام لصفوف الجيش الروسي، أو التشكيلات العسكرية.
كما يمكننا تتبع بعض استراتيجيات موسكو لتجنيد المرتزقة للقتال في أوكرانيا، وهذه الاستراتيجيات تشمل:


التعاون مع الشركات العسكرية الخاصة: مثل مجموعة فاغنر، التي تعتبر واحدة من أبرز الشركات العسكرية الخاصة التي تعمل لصالح روسيا. هذه الشركات تقوم بتجنيد المرتزقة وتدريبهم وإرسالهم إلى مناطق النزاع. (4)
استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة: يتم استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة في دول مثل اليمن ودول أخرى في الشرق الأوسط لتجنيد الشباب بوعود كاذبة بوظائف ذات رواتب عالية وفرص للحصول على الجنسية الروسية.
التعاون مع الجماعات المسلحة: مثل جماعة الحوثي في اليمن، حيث يتم التعاون معها لتجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى الجبهات القتالية في أوكرانيا.
الدعاية والإعلام: استخدام وسائل الإعلام والدعاية لترويج فكرة القتال كوسيلة لتحقيق مكاسب مالية وتحسين الأوضاع المعيشية، مما يجذب الشباب للانضمام إلى صفوف المرتزقة. ومن خلال هذه الوسائل عادة ما يتم تجنيد المغامرين واليائسين، اضافة إلى المدفوعين بخلفيات ايديولوجية، وعادة ما يطلق على هؤلاء بــ"وقود المدافع". ذلك أنهم يخضعون لدورات تدريبية سريعة، ويتم تجهيزهم على عجالة والزج بهم في جحيم المعارك. 
التجنيد عبر الإنترنت: استخدام منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية لتجنيد المرتزقة، حيث يتم نشر إعلانات ووظائف مغرية لجذب الشباب للانضمام.
الهجرة: قبل الحرب الأوكرانية كان الألاف من المهاجرين القادمين من الشرق الاوسط يتدفقون عبر الحدود البيلارسية- البولندية والروسية- الفنلندية وصولاً لدول الاتحاد الأوروبي. وبحسب مراقبون فإن تلك الموجات من تدفقات المهاجرين كانت تأتي في سياق أدوات ضغط الرئيس بوتين ضد الغرب وزيادة منسوب السخط الشعبي ضد الحكومات بسبب الهجرة، كما أنه لم تكن لتحدث هذه الموجات بدون تسهيلات روسية تتمثل في الحصول على الفيزا الروسية عبر شركات تعمل كواجهة لجهاز الأمن الفيدرالي. لكن بعد الحرب الأوكرانية تحولت تجارة تهريب المهاجرين الى اوروبا لتجنيد الكثير من الشباب من الدول العربية لوزارة الدفاع الروسية والشركات العسكرية الخاصة المرتبطة بها. وحتى الذين يسافرون حالياً بدافع الهجرة، يُعرض عليهم خيار وحيد الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الروسية، مع الوعد بالحصول على الجنسية بسرعة. (5)

 

محفزات ودوافع متشابكة
أولاً: محفزات ودوافع الشركات الأمنية الروسية الخاصة: للشركات الأمنية الروسية الخاصة، العديد من الدوافع لتجنيد مرتزقة ومتطوعين من دول الشرق الأوسط من بينها اليمن وتتمثل هذه الدوافع بالتالي:
الاستفادة من الظروف الاقتصادية: اليمن يعاني من أزمة اقتصادية حادة، مما يجعل الشباب اليمني عرضة للاستقطاب والاستغلال.
تكلفة منخفضة: تجنيد مرتزقة من دول تعاني من أزمات اقتصادية يمكن أن يكون أقل تكلفة من تجنيد مواطنين روس، تجنباً للانتقادات الداخلية فيما يتعلق بخسائر موسكو البشرية، فإغراء الكثير من سكان دول المنطقة بالمبالغ الزهيدة من المال مقابل فرصة الموت في أكرانيا لتجنب الضغط الداخلي بدى كما لو أنه أمر مربح لموسكو.
تحقيق أهداف جيوسياسية: الشركات الأمنية الخاصة تعمل ككيانات موازية للمؤسسات العسكرية الحكومية، مما يمكنها من تحقيق أهداف جيوسياسية وعسكرية دون التعرض للملاحقات القانونية التي قد تلحق بالدولة جراء الانتهاكات التي تمارسها تلك الشركات.


 ثانياً: محفزات ودوافع موسكو
 كانت موسكو أكثر من مره قد حثت مواطني الدول الأجنبية الذين يخططون للذهاب للقتال من أجل النظام الأوكراني التفكير سبع مرات قبل الذهاب للقتال في صفوف الجيش الأوكراني وذكّرت بأنه لن يتم معاملتهم كأسرى حرب حال وقوعهم أسرى بأيدي قواتها، في إشارة للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد، واستخدام، وتمويل أو تدريب المرتزقة، الصادرة في كانون الأول/ديسمبر 1989. لكنها في الوقت نفسه أعطت الضوء الأخضر لتجنيد الكثير من شباب الشرق الأوسط للقتال ضمن صفوف قواتها ضد أوكرانيا، ووفقا لوزير الدفاع الروسي السابق سيرجي شويغو فإن هناك أكثر من 16 ألف متطوع مستعدون للمشاركة فيما أسماها عملية التحرير ضد النظام النازي في "دونباس" شرق أوكرانيا، وأن هؤلاء الذين يودون المشاركة هم الذين قاتلوا جنبًا إلى جنب مع الجيش الروسي ضد الإرهابيين في سوريا لسنوات عديدة بحسب شويغو(6) وهو ما حدث بالفعل. فما كشفته الكثير من التقارير يشير إلى أن روسيا جندت من السوريين للقتال في صفوف قواتها أكثر من العدد الذي كشف عنه وزير دفاع روسيا السابق. كما وأظهرت سنوات الحرب اللاحقة لتصريح الوزير الروسي تجنيد روسيا للكثير من المرتزقة من دول مختلفة للقتال معها باستخدام العديد من الوسائل واليمن لم يكن استثناء ويمكن تلخيص بعض دوافع موسكو من عملية تجنيد مئات اليمنيين للقتال معها في أكرانيا بالتالي: 
 
تقليل الضغط الداخلي في روسيا: تجنيد مقاتلين من الخارج يمكن أن يقلل من الحاجة إلى تجنيد مواطنين روس، مما يقلل من التوترات الداخلية والانتقادات.
الخبرة في القتال: ترى موسكو أن وجود مقاتلين ذوي بشرة داكنة من الشرق الأوسط في صفوف قواتها قد يكون بمثابة خرقة حمراء حقيقية " للنازيين الأوكرانيين" بحسب وصف موسكو، بالإضافة الى أنها تنظر بعين الاعتبار لعامل الخبرة القتالية لسكان الدول التي تشهد صراعات مسلحة الشرق الأوسط.
توفير الموارد البشرية: الاستفادة من الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن لتجنيد مقاتلين يمكن أن يوفر لروسيا موارد بشرية إضافية لمواجهة التحديات العسكرية في أوكرانيا.
تعزيز قواتها: تجنيد مقاتلين من الخارج يساعد روسيا في تعزيز قواتها في أوكرانيا دون الحاجة إلى تعبئة شاملة لمواطنيها، مما يقلل من التوترات الداخلية.
تفادي استدعاء مقاتلي فاغنر من افريقيا: تجنيد الكثير من المرتزقة من دول مختلفة يجنب موسكو الاستعانة بمقاتلي شكرتها الأمنية الخاصة " فاغنر" المتواجدة في أفريقيا، ويجنبها فقدان السيطرة على عدد من البلدان الأفريقية، وخسارة التدفقات المالية الكبيرة من شركات التعدين في القارة. ففي سياق العقوبات الغربية، تشكل هذه التدفقات أهمية بالغة للاقتصاد الروسي.
تجنب هجرة الشباب: زيادة القوة البشرية على الجبهة، مع تجنب جولة أخرى من التعبئة العامة، الأمر الذي أدى في عام 2022 إلى هروب مئات الألاف من الرجال الروس إلى الخارج.

 

ثالثاً: محفزات ودوافع الحوثيين
تعزيز العلاقات مع روسيا: هناك الكثير من التقارير التي تشير إلى أن جماعة الحوثي تلعب دورًا كبيراً في تجنيد اليمنيين بالتعاون مع وسطاء دوليين. وأن هذا التعاون سيعزز علاقاتهم بروسيا، مما قد يوفر لهم دعمًا سياسيًا وعسكريًا. وفي هذا الصدد قال: المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إنه اطلع على تقارير عن تجنيد جنود من الجمهورية العربية وإن الأمر "مثير للقلق بالتأكيد" لكنه لم يفاجئ البيت الأبيض. وأشار إلى أن روسيا تحافظ بشكل نشط على اتصالات مع الحوثيين، وتقدم لهم بعض المساعدة، بما في ذلك توفير بيانات تحديد الموقع الجغرافي لإطلاق الصواريخ على السفن في البحر الأحمر ومناقشة بيع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الحديثة المضادة للسفن.
التأثير على التوازنات المحلية والإقليمية: يدرك الحوثيين بأن هذا التعاون مع روسيا يمكن أن يؤثر على التوازنات المحلية والإقليمية في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن يؤدي إلى تعزيز نفوذهم في اليمن، ويحسّن عامل الردع مع الدول المجاورة.
الحفاظ على الروح المعنية لمقاتليهم: أدت الهجمات التي تشنها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل على الحوثيين بسبب استهدافهم للسفن في البحر الأحمر الى تنامي القلق وسط مقاتليهم، وبالتالي فإن قادة الحوثيين يرون بأن التعاون مع روسيا يعزز قدرتهم على الصمود في وجه تلك الضربات، ويساهم في رفع معنويات مقاتليهم المكشوفين كلياً أمام تلك الهجمات القادمة من الجو والبحر.

رابعاً: محفزات ودوافع الشباب
تعتبر فئة الشباب هي الفئة الرئيسية المستهدفة بدرجة أساسية في عمليات التجنيد، وتسخر الدول في سبيل ذلك إمكانات هائلة على صعيد الترويج وتيسير إجراءات وصولوهم الى وجهتهم الأخيرة، ولا شك أن للشباب خصوصاً في اليمن دوافعهم الخاصة للقبول بأي عروض تقدم لهم أملاً في النجاة من جحيم الموت الذي يعيشونه واقعاً كل يوم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات ويمكن تلخيص بعض الدوافع الرئيسية للشباب بالتالي:


الحصول على الجنسية الروسية: يتم إغراء الشباب اليمني بوعود الحصول على الجنسية الروسية، وسهولة الحصول عليها مما يجعلهم يعتقدون أن هذه الفرصة قد تكون بداية جديدة لهم ولعائلاتهم.
الهروب من جحيم البطالة والفقر: البطالة والفقر يدفعان بالكثير من الشباب للبحث عن أي فرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية.
فرص العمل برواتب مغرية: يتم تقديم وعود كاذبة بوظائف ذات رواتب عالية وظروف عمل جيدة، ولكن عند وصولهم إلى روسيا، يتم إجبارهم على القتال في الجبهة الأوكرانية فضلاً عن وعود الالتحاق ببعض الجامعات الخاصة في روسيا للكثير من الشباب، لكن عند وصولهم إلى الإتحاد الروسي، تتم مصادرة جوازات سفرهم، وبعد ذلك يجبر هؤلاء في المشاركة بالحرب في أوكرانيا إلى جانب القوات المسلحة الروسية وهو ما حصل مع الكثير من الشباب من دول مختلفة كالهند فبحسب إفادة مكتب التحقيقات المركزي الهندي من أنه اكتشف شبكة من العملاء والسماسرة ، بما في ذلك ثلاثة من روسيا، كانوا يستدرجون الطلاب الهنود للقتال في أوكرانيا. وفي وقت سابق، تناولت وسائل إعلام من أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، طالب خلال محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بضرورة عودة الهنود الذين تم خداعهم لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية من الجبهة في أوكرانيا (7). 
هذه العوامل مجتمعة تساهم في تجنيد اليمنيين للقتال في أوكرانيا، مما يعكس تعقيدات الصراع وتأثيراته على الأفراد والمجتمعات. لكن مع ذلك كله، وبغض النظر عن الدوافع الأولية للمشاركة في الحرب سواءً إلى جانب موسكو أو من يقاتل إلى جانب كييف ممن تم خداعهم أو ممن شارك طواعية، فإن جميع المرتزقة من دول الشرق الأوسط يشعرون بخيبة أمل حادة عندما يواجهون واقع الحرب الروسية - الأوكرانية، الذي يختلف تمامًا عن التوقعات والأفكار والآمال التي ذهبوا بها إلى منطقة الصراع، هذا بالإضافة إلى أن نمط الحرب الروسية – الأوكرانية التي تهيمن عليه التقانة العسكرية الحديثة بأحدث منظوماتها الدفاعية والهجومية يختلف عن نمط وشكل الحروب الشرق أوسطية.

التداعيات
يشكّل استقطاب الشباب اليمنيين للقتال في أوكرانيا العديد من التداعيات على اليمن، كالتالي:


تفاقم الوضع الإنساني: تجنيد الشباب اليمني للقتال في صراعات خارجية يزيد من معاناة الأسر اليمنية التي تعاني بالفعل من الفقر والنزوح بسبب الحرب الأهلية.
تعرض الشباب للقتل أو الإعاقة: تشير العديد من التقارير الى تعرض العشرات من المجندين اليمنيين للقتل أو الإصابة في ساحات القتال. 
تأثير اجتماعي: عودة المقاتلين اليمنيين الذين قد ينجوا من القتال الدائر في أوكرانيا قد تؤدي إلى زيادة التوترات الاجتماعية والنفسية في المجتمع اليمني.

ما التدابير التي ينبغي اتخاذها للحد من تجنيد اليمنيين كمرتزقة في الحرب الروسية-الاوكرانية؟
للحد من تجنيد اليمنيين كمرتزقة في الحرب الأوكرانية الروسية يجب اتخاذ مجموعة من التدابير السياسية، القانونية، والإنسانية من قبل الأطراف المعنية. وفيما يلي الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها كل جهة:


أولاً: اليمن: ينبغي على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، اتخاذ المزيد من التدابير التي من شأنها الحد من عمليات استغلال مواطنيها، كالتالي:
الحماية: اتخاذ خطوات فعالة لحماية المواطنين اليمنيين من الاستغلال والتجنيد القسري، بما في ذلك تعزيز الرقابة على الحدود والمطارات. بالإضافة إلى إلزام السفارة بضرورة القيام بواجباتها تجاه هذه القضية وغيرها من القضايا التي تنتهك حقوق الكثير من اليمنيين في روسيا، خصوصا بعد أن كثر الحديث عن تقاعس السفارة بل وغياب دورها في حماية رعاياها. 
التوعية: إطلاق حملات توعية لتثقيف الشباب اليمني حول مخاطر التجنيد القسري والوعود الكاذبة وتجنب الوقوع في فخ شبكات السمسرة والاحتيال والإتجار بالبشر. 
التعاون الدولي: التعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية لتقديم الدعم والمساعدة للمواطنين المتضررين.

 

ثانياً: روسيا: 
التوقف عن تجنيد المرتزقة: يجب على دولة الإتحاد الروسي إعادة النظر في استراتيجيات التجنيد والبحث عن حلول بديلة لتعزيز قواتها دون اللجوء إلى استغلال الأفراد من دول أخرى وكذلك ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية المتعلقة التي تجرم استخدام المرتزقة، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة المرتزقة. 
التعاون مع اليمن: دعم الجهود اليمنية في تحسين الاستقرار الاقتصادي والسياسي بدلاً من استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اليمن، فضلاً عن تعزيز مبدأ الشفافية في عمليات التجنيد والتعاون مع المنظمات الدولية لضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان ومحاسبة الجهات المتورطة.

 

ثالثاً: المجتمع الدولي: 
فرض العقوبات: تطبيق عقوبات على الجهات التي تقوم بتجنيد المرتزقة أو تسهيل عملياتهم، سواء كانت دولاً أو شركات خاصة أو أفراد.
الدعم الإنساني: تعزيز الجهود الإنسانية في اليمن لتقليل الحاجة الاقتصادية التي تدفع الافراد للارتزاق.
تفعيل المراقبة الدولية: تشكيل لجان دولية لمراقبة عمليات التجنيد العابر للحدود، ومتابعة التطورات عن كثب، وتقديم تقارير دورية حول تجنيد اليمنيين واستغلالهم في النزاعات المسلحة الخارجية.
تطوير إطار قانوني: العمل على تحديث القوانين الدولية لتشديد العقوبات على عمليات التجنيد غير المشروعة وتوسيع صلاحيات المراقبة الأممية.
التعاون الأمني: تبادل المعلومات بين الدول لملاحقة شبكات التجنيد العابرة للحدود.

 

في الختام، تجنيد اليمنيين للقتال في أوكرانيا إلى جانب روسيا كمرتزقة يعكس تعقيدات حالات الصراع وتأثيراته العميقة على الأفراد، والمجتمعات، كما يشكل ذلك انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية التي تحظر استخدام الأفراد بشكل غير شرعي في الصراعات المسلحة كما أن هذه العمليات لا تؤدي فقط الى زيادة تفاقم الأوضاع الإنسانية بل تسهم أيضاً في زيادة معاناة الأفراد الذين يتم التغرير بهم بوعود كاذبة بالوظائف، والرواتب المرتفعة، كما لا ينبغي على الدول استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن. كما ويستوجب على الحكومة اليمنية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مواطنيها من هذه المخاطر، بما في ذلك التوعية حول مخاطر التجنيد غير القانوني، وتعزيز الرقابة على الحدود والمطارات، والتعاون مع المنظمات الدولية لفرض العقوبات على الجهات المتورطة في هذه العمليات. كما أن عملية التجنيد هذه كشف عن حجم تعزيز روسيا لعلاقتها بجماعة الحوثي، وما قد ينتج عن هذا التعاون من تأثير على التوازنات الإقليمية. كما أنه من الضروري جداً على المجتمع الدولي والحكومة اليمنية وروسيا اتخاذ اللازم والبدء بخطوات فعالة لمعالجة هذه المشكلة، وحماية حقوق الأفراد المتضررين وعودة المغرر بهم. كما أن التعاون الدولي والتوعية والتدخل الإنساني يمكن أن يسهموا في الحد من هذه الظاهرة وضمان مستقبل أفضل للشباب اليمني.



[1] Россия обманом завербовала сотни йеменских хуситов на войну в Украине, the Moscow times 24.11.2024https://goo.su/YMF0h 
[2] نجم الدين قاسم، شباب يمنيون يقاتلون قسراًعلى الجبهة الأوكرانية، Darag media، 6 ديسمبر 2024م  https://goo.su/h39q 
[3] Нужны ли арабские добровольцы России в Украине? ТRT на русском 8 апр. 2022, https://www.trtrussian.com/mnenie/nuzhny-li-arabskie-dobrovolcy-rossii-v-ukraine-8483225
[4]  مايكل يونغ، روسيا وتجنيد المرتزقة، مدوّنة "ديوان" الصادرة عن مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط وبرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 21 يناير 2022، https://goo.su/fmF3m 
[5] Алексей Ремизов, Египетская сила. Как пермская компания вербует арабских наемников на войну, обещая паспорт и деньги, The Insider 27 September 2024, https://theins.ru/politika/274806?ysclid=m4rcmhoaaw455031343 
[6] Почему Россия прибегла к помощи добровольцев для освобождения Украины, Репортёр 11.03.2022, https://goo.su/jfI7a7M 
[7]  OCCRP: Йеменцев обманом принуждают подписывать контракты с Минобороны РФ и воевать за Россию в Украине, The Insider7 октября 2024, https://goo.su/ZHCynu 

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات