Home Articles مآلات الجبهة اليمنية على وقع وقف إطلاق النار في غزة
مآلات الجبهة اليمنية على وقع وقف إطلاق النار في غزة
Articles Regional and International Trends

مآلات الجبهة اليمنية على وقع وقف إطلاق النار في غزة

كان المسوغ الرئيسي الذي تسوقه جماعة الحوثي لتبرير هجماتها في منطقة البحر الأحمر وضد العديد من الأهداف في الداخل الإسرائيلي منذ نوفمبر 2023 وحتى اليوم، مرتبطاً بفكرة "وحدة الساحات" والتضامن مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ومع الإعلان من قبل الوسطاء في 15 يناير 2025، عن التوصل لاتفاق متعدد المراحل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بين حركة حماس والفصائل الفلسطينية مع إسرائيل، كانت مآلات الجبهة اليمنية وتداعيات هذا الاتفاق على التصعيد الحوثي الإسرائيلي أحد التساؤلات الرئيسية المطروحة على الساحة، وفي هذا السياق سوف تحاول هذه الورقة تناول مآلات التصعيد في الجبهة اليمنية، على وقع هذا الاتفاق وبعض المتغيرات الأخيرة التي تبعته خصوصاً ما يتصل بالتعاطي الحوثي مع الاتفاق، والقرار الأمريكي الأخير من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي أجنبي.


أولاً- كيف تعاطى الحوثيون مع اتفاق وقف إطلاق النار؟
غلب على التعاطي الحوثي مع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مجموعة من السمات الرئيسية، وهو ما يمكن تناوله في ضوء التالي:

  1. الترحيب باتفاق وقف إطلاق النار: فور الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، خرج المتحدث باسم تنظيم الحوثي محمد عبد السلام، وأعلن عن ترحيب التنظيم بهذا الاتفاق، مشيراً إلى أن "التنظيم يُحيي الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وكافة التضحيات التي قدمها" وفق تعبيره، كذلك أعلن عن "توجيه التحية إلى جبهات الإسناد وفي المقدمة جبهة المقاومة الإسلامية في لبنان والتي أبلت بلاءً حسناً، وإلى المقاومة الإسلامية في العراق" وفق تعبيره، معتبراً أن "التنظيم في اليمن تحمل المسؤولية منذ اليوم الأول للحرب وقدم الإسناد لغزة حتى هذه اللحظة" (1). 
  2. التحذير من اختراق وقف إطلاق النار: في 17 يناير 2025 هدد زعيم التنظيم عبد الملك الحوثي بأن "التنظيم سيواصل شن هجمات على إسرائيل إذا لم تلتزم الأخيرة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة"، وقال عبد الملك الحوثي في خطاب: "سنبقى في مواكبة لمراحل تنفيذ الاتفاق، وأي تراجع إسرائيلي أو مجازر وحصار سنكون جاهزين مباشرة للإسناد العسكري للشعب الفلسطيني" وفق تعبيره، واختتم قائلاً: "موقفنا فيما يتعلق بالوضع في غزة مرتبط بموقف إخوتنا في الفصائل الفلسطينية ومستمر معهم من مرحلة تنفيذ الاتفاق" (2) وفق تعبيره، ويبدو أن الحوثي حرص على بعث رسائل بأن مآلات الجبهة اليمنية سوف تظل مرهونة بمستوى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. 
  3. الإفراج عن السفينة "جالاكسي ليدر": أعلن الحوثيون في يوم الأربعاء 22 يناير 2025، عن الإفراج عن طاقم السفينة جالاكسي ليدر المكون من 25 شخصاً بعد أكثر من عام على احتجازهم، وقالت الجماعة إن الإفراج عن طاقم السفينة تم بالتنسيق مع حركة حماس ووساطة سلطنة عمان. وأشارت إلى تسليم طاقم سفينة جالاكسي ليدر"للأشقاء في سلطنة عمان بالتنسيق مع حركة حماس ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار". وقال المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين إن الإفراج عن طاقم السفينة يأتي في إطار معركة إسناد غزة ودعماً لاتفاق وقف إطلاق النار (3). وكان وفد عماني رفيع قد زار صنعاء أخيراً للوساطة لدى جماعة الحوثيين للإفراج عن طاقم السفينة غلاكسي ليدر والتي تعود ملكيتها لرجل الأعمال الإسرائيلي أبراهام رامي أونغار. ويبدو أن هذه الخطوة من الحوثي جاءت كأحد الارتدادات الرئيسية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وسعياً لبعث رسائل إيجابية بالالتزام بمقتضيات وتداعيات هذا الاتفاق. 


ثانياً- محددات مسار التصعيد بالجبهة اليمنية
رغم الإعلان الحوثي عن الترحيب باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتداعيات التي أتبعت ذلك، إلا أن مسار التصعيد بالجبهة اليمنية سوف يكون مرتبطاً بمجموعة من المحددات الرئيسية، وهو ما يمكن تناوله في ضوء التالي: 

  1. التصنيف الأمريكي للحوثيين كتنظيم إرهابي: أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 يناير 2025، عن أمر تنفيذي يقضي بإعادة تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية، ويوجه الأمر التنفيذي وزير الخارجية الأمريكي بالتشاور مع آخرين، والتوصية بإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في غضون 30 يوماً، وبشكل عام يعد هذا القرار التنفيذي من "ترامب" أكثر صرامةً من التصنيف الذي وضعته إدارة "بايدن" للحوثي، كـ "تنظيم إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص" (4)، ويوجد في إطار هذا القرار احتمالين رئيسيين، الأول أن القرار سوف يساهم في المزيد من الضغط على الحوثي، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، بما يؤثر على التحركات العسكرية للحوثيين. أما الافتراض الثاني فهو يذهب إلى أن هذا القرار سوف يدفع باتجاه المزيد من التصعيد الحوثي، في البحر الأحمر خصوصاً، وذلك استناداً إلى مجموعة من الاعتبارات، أولها أن التنظيم قد يتجه في رده على القرار إلى التحرك لمنع أي سفن بريطانية أو أمريكية من المرور بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب.
  2. نمط التعامل الإسرائيلي مع الحوثيين: ربما يدفع القرار الأمريكي الأخير ومجموعة من السياقات الأخرى إسرائيل باتجاه توسيع حجم وطبيعة الاستهداف لتنظيم الحوثي، خصوصاً وأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لم يشتمل على أبعاد إقليمية، كذلك فإن القرار الأمريكي الأخير سوف يوظف من قبل إسرائيل لتوفير غطاء سياسي لتمرير الضربات المقبلة تجاه الحوثيين، أيضاً فإن هناك قناعة لدى العديد من الدوائر الأمنية الإسرائيلية أن الضربات الأخيرة ضد التنظيم لم تساهم في تكبيده خسائر كبيرة أو تحجيم أنشطته، وبالإضافة لما سبق فإن التصعيد الإقليمي الأخير خلق قناعة لدى إسرائيل بأن الحوثيين يمثلون تهديداً لا يقل عن تهديد الأذرع الإيرانية الأخرى القريبة من حدودها، وبالتالي سوف يكون السلوك الإسرائيلي تجاه الحوثيين محدداً رئيسياً لمآلات الجبهة اليمنية.
  3. مآلات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة: يُعد التصعيد الحوثي سواءً في منطقة البحر الأحمر أو تجاه الداخل الإسرائيلي منذ نوفمبر 2023 وحتى اليوم، مرتبطاً بشكل رئيسي بالحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وبالتالي فتباعاً ستكون المآلات الخاصة بالتصعيد في الجبهة اليمنية مرتبطة إلى حد كبير بالسلوك الإسرائيلي في التعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهنا تُشير العديد من المعطيات إلى مؤشرات سلبية فيما يتعلق بالتزام إسرائيل بهذا الاتفاق، خصوصاً بعد مطالبة العديد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية ومنهم بتسلئيل سموتريتش بالعودة إلى الحرب في غزة، كذلك فإن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والإعلان عن بدء عملية واسعة النطاق من مخيم جنين (5) يمثل تهديداً إضافياً لاتفاق وقف إطلاق النار، وبالإضافة لذلك فإن السلوك الإسرائيلي فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان والانتهاكات العديدة لهذا الاتفاق، قد يتم استنساخها في اتفاق غزة، وهي مؤشرات سوف تنعكس على طبيعة السلوك الحوثي والجبهة اليمنية بشكل عام.
  4. متغيرات نوعية في البحر الأحمر: شهدت الآونة الأخيرة العديد من المتغيرات المهمة على مستوى المشهد والبيئة الأمنية في منطقة البحر الأحمر، وكان من أبرز هذه المتغيرات هو "عسكرة التفاعلات في البحر الأحمر" من خلال تشكيل الولايات المتحدة في 19 ديسمبر 2023، لتحالف "حارس الازدهار"، وتأسيس الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير 2024 لقوة "أسبيدس"، أما المتغير الآخر وهو شديد الأهمية فهو تنامي التقارير الغربية والاستخباراتية التي تُشير إلى تعاون كبير بين تنظيمات الحوثي والقاعدة في اليمن وحركة الشباب الصومالية (6)، وبشكل عام فإن هذه المتغيرات قد تُفضي إلى المزيد من التصعيد البريطاني الأمريكي خصوصاً تجاه الحوثيين، الأمر الذي سينعكس سلباً على مسار التهدئة في الجبهة اليمنية، كذلك فإن هناك احتمالات بأن يتم تقديم دعم لوجستي إيراني حوثي لتنظيمات القاعدة وحركة الشباب الصومالية لنقل هذه التنظيمات إلى مربع التصعيد في البحر الأحمر.

إجمالاً يمكن القول إن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ربما يدفع باتجاه تهدئة نسبية على مستوى الجبهة اليمنية، لكن هناك مجموعة من الاعتبارات والعوامل الأخرى التي تدفع باتجاه المزيد من التصعيد، خصوصاً ما يتصل بالنظرة الإسرائيلية للحوثي باعتبار التنظيم تحول مع الوقت إلى مصدر تهديد كبير، ما يدفع باتجاه المزيد من الاستهدافات للحوثي، كذلك فإن مآلات اتفاق وقف إطلاق النار واحتمالية خرق إسرائيل لهذا الاتفاق قد تدفع باتجاه المزيد من التصعيد في الجبهة اليمنية، ويُضاف إلى ذلك التداعيات الخاصة بالقرار الأمريكي الأخير بتصنيف الحوثي كتنظيم إرهابي.


[1] المتحدث باسم الحوثيين يعلق على وقف إطلاق النار بغزة، روسيا اليوم، 15 يناير 2025، متاح على:

https://linksshortcut.com/rGVjh

[2] الحوثي يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. ويحذر إسرائيل، سكاي نيوز، 17 يناير 2025، متاح على:

https://linksshortcut.com/wJBVu

[3] الحوثيون يفرجون عن طاقم سفينة غلاكسي ليدر بوساطة عمانية، العربي الجديد، 22 يناير 2025، متاح على:

https://linksshortcut.com/yiuiB

[4] Trump designates Yemen's Houthis as a 'foreign terrorist organization', Reuters, Jan, 23, 2025, available at:

https://www.reuters.com/world/white-house-says-yemens-houthi-movement-designated-foreign-terrorist-2025-01-22/

[5] Israel launches 'significant' military operation in West Bank, at least 9 Palestinians killed, Reuters, Jan, 21, 2025, available at:

https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-military-begins-operation-west-bank-city-jenin-2025-01-21/

[6] الحوثي تعاون مع القاعدة وقدراته تفاقمت، العربية، 27 سبتمبر 2024، متاح على:

https://linksshortcut.com/cZiZE

 

 

The stated views express the views of the author and do not necessarily reflect the views of the Center or the work team.

Comments